كلنا نعرف دوافع المعتصم في اغتيال الإمام الجواد (عليه السلام) وعن اختياره أم الفضل لتنفيذ الجريمة.
وهنا نشير إلى أسباب استغلال المعتصم لأُمّ الفضل وكيفية تحريضها على الإقدام على قتل الإمام (عليه السلام) ما روي من شدة غيرتها أيام أبيها وتوريطها لأبيها على ارتكاب جريمة قتل الإمام من قبل المأمون نفسه.
ويقول المؤرخون إن أم الفضل ارتكبت جريمتها بحقّ الإمام الجواد (عليه السلام) عندما سقته السمّ.
فقد روي: (أنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر (عليه السلام) وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه لأنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر (عليه السلام) وشدّة غيرتها عليه…
فأجابته إلى ذلك وجعلت سمّاً في عنب رازقي ووضعته بين يديه، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي .
فقال: (ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر)، فماتت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصوراً فانفقت مالها وجميع ما ملكته على تلك العلّة، حتى احتاجت إلى الاسترفاد).
وأثّر السمّ في الإمام تأثيراً شديداً حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ولسانه يلهج بذكر الله تعالى، وقد انطفأت باستشهاده شعلة مشرقة من الإمامة والقيادة المعصومة في الإسلام.
لقد استشهد الإمام الجواد (عليه السلام) على يد طاغية زمانه المعتصم العباسي وقد انطوت بموته صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية التي أضاءت الفكر ورفعت منار العلم والفضيلة في الأرض.
تجهيزه ودفنه:
وجُهّز بدن الإمام (عليه السلام) فغسّل وأدرج في أكفانه، وبادر الواثق والمعتصم فصليا عليه، وحمل الجثمان العظيم إلى مقابر قريش، وقد احتفت به الجماهير الحاشدة.
فكان يوماً لم تشهد بغداد مثله فقد ازدحمت عشرات الآلاف في مواكب حزينة وهي تردد فضل الإمام وتندبه.
وتذكر الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون في فقدهم للإمام الجواد (عليه السلام) وحفر للجثمان الطاهر قبر ملاصق لقبر جده العظيم الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في شمال بغداد بمنطقة كانت تسمى مقابر قريش وتسمى مدينة الكاظمية حاليا.
عن أبي جعفر المشهدي بإسناده عن محمد بن رضيّة عن مؤدّب لأبي الحسن علي الهادي ابن الامام الجواد عليهما السلام، قال: (إنه كان بين يديَّ يوماً يقرأ في اللوح إذ رمى اللوح من يده وقام فزعاً وهو يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله أبي (عليه السلام)).
فقلت: من أين علمت هذا؟ فقال (عليه السلام): (من إجلال الله وعظمته شيء لا أعهده). فقلت: وقد مضى، قال: (دع عنك هذا، ائذن لي أن أدخل البيت وأخرج إليك واستعرضني بآي القرآن إن شئت أقل لك بحفظ).
فدخل البيت فقمت ودخلت في طلبه إشفاقاً مني عليه وسألت عنه فقيل دخل هذا البيت وردّ الباب دونه وقال لي: (لا تؤذن عليّ أحداً حتى أخرج عليكم).
فخرج (عليه السلام) إليَّ متغيّراً وهو يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله أبي)، فقلت: جعلت فداك، قد مضى؟ فقال: (نعم، وتولّيت غسله وتكفينه وما كان ذلك لِيلَي منه غيري)،
ثم قال لي: (دع عنك واستعرضني آي القرآن إن شئت أفسر لك تحفظه) فقلت: الأعراف. فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * *وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ…) .
عمره وتاريخ استشهاده:
أما عمر الإمام الجواد (عليه السلام) حين قضى نحبه مسموماً فكان خمساً وعشرين سنة على ما هو المعروف، وهو أصغر الائمة الطاهرين ألاثني عشر (عليهم السلام) سنّاً.
وقد أمضى حياته في سبيل عزة الإسلام والمسلمين ودعوة الناس إلى رحاب التوحيد والإيمان والتقوى.
واستشهد الإمام الجواد (عليه السلام) سنة (٢٢٠ هـ) يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي القعدة، وقيل: لخمس ليال بقين من ذي الحجة وقيل: لست ليال خلون من ذي الحجة، وقيل: في آخر ذي القعدة.
فسلام عليه يوم ولد ويوم تقلّد الإمامة وجاهد في سبيل ربّه صابراً محتسباً ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.