هذا الأسبوع الذي يبتدى من عيد الغدير هو أسبوع أمير المؤمنين بامتياز –كما يقال- لكثرة ما حباه الله تبارك وتعالى من مناقب في هذا الأسبوع، ففي الثامن عشر كان حفل تنصيبه خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وإماماً وهادياً للأمة بعده وأولى بالناس من أنفسهم وأمر النبي (صلى الله عليه وآله) المسلمين ببيعته (عليه السلام) على ذلك، وهو عيد إكمال الدين وإتمام النعمة.
وفي الرابع والعشرين كانت مباهلة النبي (صلى الله عليه وآله) نصارى نجران بنفسه الشريفة وبأمير المؤمنين (عليه السلام) وبفاطمة الزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام) ونزول آية المباهلة في حقهم.
وفيه أيضاً أدخلهم النبي (صلى الله عليه وآله) تحت كسائه ونزل جبرئيل بآية التطهير.
وفيه تصدّق أمير المؤمنين بخاتمه للسائل أثناء الركوع فنزلت آية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }(المائدة55).
وفي الخامس والعشرين نزل في حقهم (عليهم السلام) سورة هل أتى لما تصدقوا بإفطارهم على المسكين واليتيم والأسير.
وفي هذا الأسبوع بعد خمس وعشرين سنة بويع لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة بإجماع الأمة بعد حصار عثمان في الثامن عشر ومقتله.
وبذلك فقد شهد هذا الأسبوع البيعة الواقعية والظاهرية لأمير المؤمنين كي يتولى أمور الأمة.
ولما كان هذا الأسبوع لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه يكون اسبوعاً لكل ما كان يتصف به أمير المؤمنين (عليه السلام) من صفات الكمال، ولكل ما كان لعلّي (عليه السلام) من حقوق على الأمة، ولكل ما كان يمثله أمير المؤمنين (عليه السلام) من منازل ومواقع ومقامات، فهو أسبوع الولاية والإمامة والخلافة الإلهية والقيادة الربانية للأمة وللبشرية جمعاء.
لذا اقترحتُ في يومٍ ما قبل سنين أن يكون اسبوعاً للنزاهة وللعدالة وللمساواة ولإنصاف المظلومين ولاسترداد ما نهب من المال العام وللقضاء على الفساد المالي والإداري وخلع المتصدين للمواقع بغير حق وتعيين المؤهّلين فيها، لأن هذه المعاني كلها وغيرها جسّدها أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما تولى الخلافة.
وهو أسبوع بيان عظمة أهل البيت (عليهم السلام)، وعلّو منزلتهم ومقامهم التي كشفت عنها السور والآيات الكريمة النازلة فيهم بسورة هل أتى، وآية التطهير، وآية الولاية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }(المائدة55)، وآية التبليغ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }(المائدة67) وآية إكمال الدين وإتمام النعمة [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً] (المائدة3).
وهو أسبوع التصدق على الفقراء والمساكين ومواساتهم وإشعارهم بكرامتهم إلى حد إيثارهم على النفس كما فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) والزهراء (عليها السلام) والحسن والحسين (عليهم السلام جميعاً).
ومن أهم ما يميّز امامته (عليه السلام) جهاده وقتاله على التأويل كما قاتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على التنزيل، أي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاتل العرب حتى يذعنوا للرسالة ويؤمنوا بأصل التوحيد والنبوة وعلى صدق ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى دخلوا الإسلام طوعاً أو كرهاً.
أما بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) فقد بدأت معركة التأويل، وهي معركة ضد من أرادوا أن يحرّفوا الكلم من بعد مواضعه ويتكلموا في كتاب الله بغير سلطان أتاهم ويغيّروا السنن ويظهروا البدع، ويحرموا ما أحلّ الله ويحلّوا ما حرّم الله، ويبعدوا من قرّب الله ويقرّبوا من بعّد الله، ويولّوا أمور الأمة من يتّخذ مال الله دولاً وعباده خولاً ويحكم بغير ما أنزل الله تعالى وهم مع كل ذلك يدّعون الإسلام وينتسبون إليه.
وهذه المعركة كان يشير إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته ويعلن أن قائدها سيكون علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو حديث رواه العامة والخاصة عن طريق جمع غفير من الصحابة، ففي مستدرك الصحيحين، روى الحاكم بطريقين عن أبي سعيد قال (كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانقطعت نعله، فتخلّف علي (عليه السلام) يخصفها فمشى قليلاً ثم قال: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر، قال: أبو بكر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل يعني علياً (عليه السلام)، فأتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال الحاكم: هذا حديث صحح على شرط الشيخين).