نتساءلُ دائِماً؛ كيفُ يُمكننا أَن نتمسَّكَ بنهجِ الإِمام عليِّ بن أَي طالبٍ (ع)؟!.
ويلحُّ السُّؤَال علينا أَكثر فأَكثر في ذكرى الغديرِ الأَغرِّ [١٨ ذُو الحجَّة] كونهُ مناسبةً عظيمةً تحثَّنا لنكونَ الأَقرب إِلى الإِمام وإِلى نهجهِ وسيرتهِ.
في النصِّ التَّالي عن أَميرِ المُؤمنينَ (ع) حدَّد الإِمام أَربعة معايير للإِلتزامِ بنهجهِ.
يَقُولُ (ع)؛ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأمُوم إِمَاماً، يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ.
أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ.
أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِينُوني بِوَرَع وَاجْتِهَاد، وَعِفَّة وَسَدَاد.
أَربعةُ معايير للإِلتزام بالنَّهج العلوي، وهي: الورعُ, الإِجتهادُ, العِفَّةُ, السَّدادُ.
أ/ فأَمَّا الورعُ وهو من وَرِعَ الرَّجُلُ، كوَرِثَ، والوَرِعُ، هو الرَّجلُ التَّقِي المتَحَرِّج، والورَعُ في الأَصلِ: الكَفُّ عن المحارِمِ والتحَرُّج مِنْهُ، ثم اسْتُعِير للكفِّ عن المُباحِ والحلالِ، وأَنَّ معنى الورع إِصطلاحًا: هو إِجتناب الشُّبهات؛ خوفًا من الوقوعِ في المُحرَّمات.
وهو، بمعنى أَوضح، خشيَة الله تعالى في كلِّ تصرُّفٍ يبدُو منَّا، في علاقاتِنا وكلامِنا وخُططِنا ومشاريعِنا، إِذ يجب أَن يكونَ مِحورها هو منفعة النَّاس وليسَ الضَّرر أَو الإِيقاع بهم على اعتبار أَنَّ [خَير النَّاس مَن نَّفع النَّاس] وهي الصِّفة التي نجدها في كلِّ سيرة أَميرِ المُؤمنينَ (ع) فهو لم يضرُّ أَحداً أَبداً، فهو في السُّلطة لمنفعةِ النَّاس وهو يتنازل عنها لمصلحتهِم، فكان همَّهُ الإِنسان ومصالح النَّاس ومنافعهُم بلا تمييزٍ من أَيِّ شَكلٍ من الأَشكال.
وبكلمةٍ مُختصرةٍ فإِنَّ الورِع هو الذي يُؤتَمنُ على النَّاس، حياتهُم وأَموالهُم وأَعراضهُم وحقوقهُم.
ب/ أَمَّا الإِجتهاد ومعناهُ [المُثَابِرةُ وبذلُ الوُسعِ] فهو أَن نبذل أَقصى الجُهد عندما نريدُ أَن نُنجِز شيئاً، في طلبِ العلمِ مثلاً أَو في التَّربيةِ التَّعليم أَو في إِدارة مشروعٍ أَو وزارةٍ أَو عند الدِّفاع عن القِيَم والمبادئ والوطن.
يعني أَن لا نُنجز الأَمرَ سُخرةً أَو من وراء انوفِنا، أَو لإِسقاطِ الواجبِ كما يسمِّيهِ البعض.
يعني أَن لا نوفِّرَ شيئاً من طاقاتِنا العضليَّة والعقليَّة لإِنجاز المُهمَّة.
ج/ والعَفاف وهو مصدرُ عفَّ، يعني الكفّ عن رغبةٍ عمَّا لا يليقُ قولاً وفعلاً.
فالعفَّةُ في اللِّسانِ واليدِ والجوارحِ، من جهةٍ، والعفَّةُ في العملِ والرَّغباتِ والعِلاقاتِ، من جهةٍ أُخرى.
بمعنى أَن لا تتهالك على شَيْءٍ، حتَّى حقوقكَ لا ينبغي أَ تتهالكَ عليها عندما تريدُ انتزاعها لأَنَّ التَّهالُك يدفعك للتَّجاوز على حقوقِ الآخرين، وهكذا الأَمرُ في طلبِ الدُّنيا ولذائذِها والحياةِ وزخارفِها، فالتَّهالك يقضي على شخصيَّتك ويُقلِّل من كرامتِك ويُنقِصُ من قيمتِك في المُجتمع.
د/ وأَخيراً السَّداد والذي يعني التصرُّف الرَّشيد، والصَّوابُ من القَول والفعل، والإِحتراز من الخطأ، والإِستقامةِ والقَصد.
فكلَّما التزمنا بهذهِ المعايير كلَّما اقتربنا من نهجِ الغَدير، وإِذا رأَينا أَنَّ واقعنا يزدادُ مشاكل وعُقَد وعلى أَيِّ صعيدٍ من الأَصعدة فهذا يعني أَنَّنا نسيرُ بعكسِ إِتِّجاه الغدير، ما يُبعدنا عَنْهُ لأَنَّنا لم نلتزم بهذهِ المعايير الأَربعة التي حدَّدها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) كخارطةِ طريقٍ للإِلتزامِ بنهجهِ.
إِنَّ كلَّ مُجتمعٍ ينتهجُ سيرة أَميرِ المُؤمنينَ (ع) يعيشُ حياةً حرَّةً كريمةً ملؤُها الأَمل والسَّعادة وبُحبوحة العَيش كما في قولِ الله تعالى {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} لأَنَّ عليّاً (ع) هو الطَّريقة، وإِنَّ الإِلتزام بهِ هو الذي يجعل منَّا مِصداقاً لهذهِ الآيةِ الكريمةِ.
إِنَّ عليّاً (ع) مشروعٌ إِنسانيٌّ وحضاريٌّ عظيم ولولا أَنَّهم أَشغلوهُ بالحروبِ والفِتنِ والغارات الإرهابيَّة التي كانت تُنفِّذها عصابات طاغية الشَّام الطَّليق إِبن الطَّليق مُعاوية بن أَبي سُفيان {حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ} لكانَ الإِمامُ بنى بمشروعهِ أَعظم تجربةٍ في تاريخِ الانسانيَّة.
للأَسف الشَّديد فلقد دفعَ الإِمامُ (ع) ثمن حَسد وحِقد وتربُّص [الصَّحابة] بسببِ منزلتهِ العظيمةِ عند الله تعالى ورسولهِ والرِّسالة.
ولقد ظلَّ أَهلُ البيت (ع) يدفعُون ثمن هذا الحِقد والحَسد والتربُّص، فعندما سأَلهم الحُسين السِّبط (ع) عن سبب عزمهِم على قتلهِ قالُوا [بُغضاً لأَبيكَ].