أمر الله نبيّه بالمباهلة إذا جاءه من يجادله من بعد ما جاء من العلم والمعرفة، وأمره أن يقول لهم: إني سأدعو
أبنائي، وأنتم أدعوا أبناءكم، وأدعو نسائي، وأنتم ادعوا نساءكم، وأدعو نفسي، وتدعون أنتم أنفسكم، وعندئذٍ ندعو
الله أن ينزل لعنته على الكاذب مناّ ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ
وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾.
ولا حاجة للقول بأن القصد من المباهلة لم يكن إحضار جمع من الناس للّعن، ثم ليتفرقواّ كلّ إلى سبيله، لأن عملاً كهذا لن يكون
له أي تأثير، بل كان المنتظر أن يكون لهذا الدعاء واللعن أثر مشهود عياناً فيحيق بالكاذب عذاب فوري.
وبعبارة أخرى: فإن المباهلة –وأن لم يكن القرآن ما يشير إلى تأثيرها- كانت بمثابة السهم الأخير بعد أن لم ينفع المنطق
والاستدلال، فأن الدعاء وحده لم يكن المقصود بها، بل كان المقصود منها هو أثرها الخارجي.
لعلّ قضية المباهلة بهذا الشكل لم تكن معروفة عند العرب، بل كانت أسلوباً يبيّن صدق النبي صلى الله عليه واله وإيمانه بشكل
قاطع. إذ كيف يمكن لمن لا يؤمن كلّ الإيمان بعلاقته بالله أن يدخل هذا الميدان، فيطلب من معارضيه أن يتقدموا معه إلى الله
يدعونه أن ينزل لعناته على الكاذب، أن يروا سرعة ما يحل بالكاذب من عقاب؟! لا شك أن دخول هذا الميدان خطر جداً، لآن
المبتهل إذا لم يجد استجابة لدعائه ولم يظهر أي أثر لعقاب الله على معارضيه، فلن تكون النتيجة سوى فضيحة المبتهل. فكيف
يمكن لإنسان عاقل ومدرك أن يخطو مثل هذه الخطوة دون أن يكون مطمئناً إلى النتيجة في صالحه؟ لهذا قيل إنّ دعوة رسول الله
صلى الله عليه واله إلى المباهلة تعتبر واحداً من الأدلة على صدق دعوته وإيمانه الراسخ بها، بصرف النظر عن النتائج التي كانت
ستكشف عنها المباهلة.
عند عرض هذا الاقتراح للمباهلة، طلب ممّثلو مسيّحي نجران من رسول الله أن يمهلهم بعض الوقت ليتبادلوا الرأي مع شيوخهم. فكان لهم ما أرادوا. وكانت نتيجة مشاوراتهم _التي تعتمد على ناحية نفسية_ هي أنّهم أمروا رجالهم بالدخول في المباهلة دون خوف إذا رأوا محمداً قد حضر في كثير من الناس ووسط جلبة وضوضاء، إذ أن هذا يعني أنّه بهذا يريد بثّ الرعب والخوف في النفوس وليس في أمره حقيقة. أمّا إذا رأوه قادماً في بضعة أنفار من أهله وصغار أطفاله إلى الموعد، فليعلموا أنّه نبي الله حقاً، وليتجنبوا مباهلته.
وقد حضر المسيحيّون إلى المكان المعيّن، ثم رأوا أن رسول الله صلى الله عليه واله أقبل يحمل الحسين على يد ويمسك الحسن باليد الأخرى ومن خلفه علي وفاطمة، وهو يطلب منهم أن يؤمنوا على دعائه عند المباهلة، وإذ رأى المسيحيّون هذا المشهد استولى عليهم الفزع، ورفضوا الدخول في المباهلة، وقبلوا التعامل معه بشروط أهل الذمة.
أحد أدّلة عظمة أهل البيت :
يصرّح المفسرون من الشيعة والسنة أن آية المباهلة قد نزلت بحق أهل بيت النبي صلى الله عليه واله ، وأن الذين أصطحبهم النبي صلى الله عليه واله معه للمباهلة بهم: الحسن والحسين وفاطمة وعلي عليه السلام وعليه، فإن أبناءنا الواردة في الآية ينحصر مفهومها في الحسن والحسين عليه السلام ، ومفهوم نساءنا ينحصر في فاطمة عليها السلام ، ومفهوم أنفسنا ينحصر في علي عليه السلام وهناك أحاديث كثيرة بهذا الخصوص.