النسوي في التاريخ ، قال نافع بن جبير لعلي ابن الحسين : انك تجالس أقواما دونا ، فقال له : اني أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني. ([1])
ما هو وجه الانتفاع في مجالسة الفقراء ؟
تجيب على هذا التساؤل الكثير من أحاديث المعصومين (عليهم السلام) فقد جاء في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): وثلاثة مجالستهم تميت القلب مجالسة الأنذال ومجالسة الأغنياء والحديثُ مع النساء… ([2])
وعن الباقر (عليه السلام) أنه قال لرجل يا فلان لا تجالس الأغنياء فإن العبد يجالسهم وهو يرى أن لله عليه نعمة فما يقوم حتى يرى أن ليس لله عليه نعمة.([3])
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أربع يُمِتن القلب … ومجالسة الموتى قيل وما الموتى قال كل غنيٍّ مترف. ([4])
وبلفظ آخر قال (صلى الله عليه وآله): إياكم ومجالسة الموتى قيل من هم ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الأغنياء.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تدخلوا بيوت الأغنياء فإنها سخطةٌ للرزق. ([5])
وأما مجالسة الفقراء فهي ضمانة لعدم الوقوع في الكبر
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ألا أُنبئكم بخمس من كُنَّ فيه فليس بمتكبر اعتقال الشاة ولبس الصوف ومجالسة الفقراء وأن يركب الحمار وأن يأكل الرجل مع عياله.([6])
وعن الصادق (عليه السلام) قال: إياكم وعِشَارَ الملوك وأبناء الدنيا فإن ذلك يُصغِّر نعمة الله في أعينكم ويُعقِّبكم كفرا وإياكم ومجالسة الملوك وأبناء الدنيا ففي ذلك ذهاب دينكم ويُعقِّبكم نفاقا وذلك داءٌ دويٌّ لا شفاء له ويُورث قساوة القلب ويسلبُكم الخشوع …([7])
ولأهمية المسألة أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عائشة: إن أردت اللحوق بي فيكفيك من الدنيا زاد الراكب ولا تخلقي ثوبا حتى ترقعيه وإياك ومجالسة الأغنياء. ([8])
وقد بيّن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له سبب ذلك فعن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لحمران بن أعين : يا حمران انظر إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فإن ذلك أقنع لك بما قُسم لك وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك … ([9])
وعنه (عليه السلام) قال في حديث له: وإياكم أن تمدوا أطرافكم إلى ما في أيدي أبناء الدنيا فمن مدَّ طرفه إلى ذلك طال حزنه ولم يُشفَ غيظه واستصغر نعمة الله عنده فيقلُّ شُكره لله وانظر إلى من هو دونك فتكون لأنعم الله شاكرا ولمزيده مستوجبا ولجوده ساكنا. ([10])
وحذرنا المعصومون (عليهم السلام) من مرافقة أبناء الأغنياء والملوك المرد لأنهم فتنة
عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إياكم وأولاد الأغنياء والملوك المرد فإن فتنتهم أشد من فتنة العذاري في خدورهن .([11])
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لا تجالسوا أبناء الأغنياء فإن لهم شهوة كشهوة النساء.([12])
ربما أن قيام الكثير من أبناء الأغنياء والملوك المرد بهذا السلوك المشين إنما هو لأن كثير من الأغنياء والملوك اكتسبوا المال من غير حله وأوضحت الروايات عن المعصومين (عليهم السلام) أن اللقمة الحرام والمال الحرام يفسد الفرج ويبين في الذرية.([13])
فينبغي علينا التركيز على هذه المسألة الخطيرة والتحذير منها فكم من شخص باع دينه بسبب مجالسة ومرافقة الأغنياء المترفين أصحاب الهوى وكم شخص أصبح مجرما قاتلا أو سارقا أو زانيا لأنه رافق أبناء الأغنياء المترفين فوسوس الشيطان في نفسه أنه يمكنه أن يكون غنيا ومترفا كأصحابه الأغنياء ودله الشيطان على طرق الجريمة فأسقطه فيها ؟!
إن التركيز على بيان هذه المسألة وبيان مخاطرها فيها فوائد جمة أخلاقية واجتماعية وأمنية …
وفي ختام هذه الكلمات ينبغي معرفة أن المؤمن الغني المحافظ على دينه المؤدي حق الله سبحانه وتعالى وحق عباده غير مشمول بهذه الأحاديث . .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن لله سبحانه وتعالى عبادا يختصهم بالنعم لمنافع العباد يقرها في أيديهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم وحولها إلى غيرهم.([14])
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): مياسير شيعتنا اُمناؤنا على محاويجهم، فاحفظونا فيهم يحفظكم الله.([15])
وحتى لا يظن الأغنياء أن لهم كرامة عند الله فأغناهم ولا يظن الفقير أن الله أفقره لهوان به عليه . . .
قال الإمام الكاظم (عليه السلام): إن الله عز وجل يقول: إني لم اغن الغني لكرامة به علي ولم افقر الفقير لهوان به علي وهو مما ابتليت به الأغنياء بالفقراء ولولا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنة.([16])
وأوضحت أحاديث كثيرة أن حكمة الله اقتضت بأن يكون الناس أغنياء وفقراء . . . وأن من العباد من لا يصلحه إلا الحال الذي أختاره الله له . . .
عن الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: يا بني آدم كلكم ضال إلا من هديت ، وكلكم عائل إلا من أغنيت ، وكلكم هالك إلا من أنجيت ، فاسألوني أكفكم وأهدكم سبيل رشدكم إن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفاقة ، ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ، ولو أمرضته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي لمن يجتهد في عبادتي وقيام الليل لي فألقي عليه النعاس نظرا مني له فيرقد حتى يصبح ويقوم حين يقوم وهو ماقت لنفسه ، زار عليها ، ولو خليت بينه وبين ما يريد لدخله العجب بعمله ، ثم كان هلاكه في عجبه ورضاه عن نفسه ، فيظن أنه قد فاق العابدين ، وجاز باجتهاده حد المقصرين فيتباعد بذلك مني ، وهو يظن أنه يتقرب إلي ألا فلا يتكل العاملون على أعمالهم ، وإن حسنت ، ولا ييئس المذنبون من مغفرتي لذنوبهم ، وإن كثرت ، لكن برحمتي فليثقوا ، ولفضلي فليرجوا ، وإلى حسن نظري فليطمئنوا ، وذلك أني أدبر عبادي بما يصلحهم ، وأنا بهم لطيف خبير([17]).([18])
—————————————————————————————————–
([1]) المناقب ج3 ص300.
([2]) الفقيه، ج4 ص358.
([3]) وسائل الشيعة، ج12 ص35-36.
([4]) المصدر السابق ج20 ص197.
([5]) مستدرك الوسائل ج8 ص338.
([6]) المصدر السابق، ج3 ص254.
([7]) المصدر السابق ج8 ص337.
([8]) شرح نهج البلاغة، المعتزلي، ج3 ص159.
([9]) الكافي، ج8 ص244.
([10]) مستدرك الوسائل ج8 ص337.
([11]) الكافي ج5 ص548.
([12]) الكامل، عبد الله بن عدي الجرجاني، ج5 ص66.
([13]) أنظر: الأربعون مقالا، المؤلف: مقال بعنوان: من آثار اللقمة الحرام أنها تفسد الفرج وتبين بالذرية وتصد عن الحق !
([14]) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص141.
([15]) الكافي ج2 ص265.
([16]) المصدر نفسه.
([17]) بحار الأنوار ج68 ص140.
([18]) مقتبس من كتاب: الأربعون مقالا، محمد النجفي، مخطوط.