هو الإمام علي بن موسى الرضا الإمام الثامن من أئمة اهل البيت عليهم السلام والذين بشر بهم رسول الله (ص) في احاديث كثيرة ومنها الحديث الشريف الذي ورد في كتب الصحاح وأجمعت عليها كافة الفرق الاسلامية (الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش) وفي رواية اخرى (الاوصياء من بعدي ..) و (الامراء من بعدي ..) و (الائمة من بعدي ..) وغيرها كثير ، وكنيته أبو الحسن، ولقبه الرضا ، ولد في المدينة المنورة عام 148 هـ ولقب بغريب الغرباء كونه دفن في ولاية خراسان من بلاد فارس بعيدا عن أرض جده رسول الله (ص).
نسبه الشريف:
هو: علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وجدته هي السيدة فاطمة الزهراء (ع) بضعة المصطفى (ص) وأمه : نجمة وقيل أروى. لذلك ينتهي نسبه الى رسول الله (ص) أيضا.
مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا عليه السلام
لقد كانت شخصيّة الإمام الرضا عليه السلام ملتقى للفضائل بجميع أبعادها وصورها، فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الإنسان إلاّ وهي من نزعاته، فقد وهبه الله كما وهب آباءه العظام وزيّنه بكل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علماً لاُمّة جده، يهتدي به الحائر، ويسترشد به الضال، وتستنير به العقول.
إنّ مكارم أخلاق الإمام الرضا عليه السلام نفحة من مكارم أخلاق جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الذي امتاز على سائر النبيين بهذه الكمالات، فقد استطاع صلى الله عليه وآله بسمو أخلاقه أن يطور حياة الإنسان، وينقذه من أحلام الجاهلية الرعناء، وقد حمل الإمام الرضا عليه السلام أخلاق جده، وهذا إبراهيم بن العباس يقول عن مكارم أخلاقه:” ما رأيت، ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه السلام، ما جفا أحداً قط، ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردَّ أحداً عن حاجة، وما مدَّ رجليه بين جليسه، ولا اتكأ قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدته مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أوَّلها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة “.
ومن معالي أخلاقه أنه كما تقلد ولاية العهد التي هي أرقى منصب في الدولة الإسلاميّة بعد منصب الخلافة لم يأمر أحداً من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه، وإنّما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه، حتى قيل: ” إنه احتاج إلى الحمّام، فكره أن يأمر أحداً بتهيئته له، ومضى إلى حمّام في البلد لم يكن صاحبه يظن أن ولي العهد يأتي إلى الحمّام في السوق فيغسل فيه، وإنما حمامات الملوك في قصورهم “.
ولما دخل الإمام الحمّام كان فيه جندي، فأزال الإمام عن موضعه، وأمره أن يصب الماء على رأسه، ففعل الإمام ذلك، ودخل الحمّام رجل كان يعرف الإمام فصاح بالجندي هلكت، أتستخدم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فذعر الجندي، ووقع على الإمام يقبل أقدامه، ويقول له متضرّعاً:”يا ابن رسول الله ! هلاّ عصيتني إذ أمرتك؟”.
فتبسّم الإمام في وجهه وقال له برفق ولطف:”إنّها لمثوبة، وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه”.
ومن سموّ أخلاقه أنه إذا جلس على مائدة أجلس عليها مماليكه حتى السائس والبوّاب، وقد أعطى بذلك درساً لهم، لقاء التمايز بين الناس، وأنهم جميعا على صعيد واحد، ويقول إبراهيم بن العباس: سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول:”حلفت بالعتق، ولا احلف بالعتق إلا أعتقت رقبة، وأعتقت بعدها جميع ما املك، ان كان يرى أنه خير من هذا، وأومأ إلى عبد أسود من غلمانه، إذا كان ذلك بقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله، إلاّ أن يكون له عمل صالح فأكون أفضل به منه”.
وقال له رجل: والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً.
فقال عليه السلام: “التقوى شرّفتهم، وطاعة الله حفظتهم” .
وقال له شخص آخر: أنت والله خير الناس …
فردّ عليه قائلاً: “لا تحلف يا هذا! خير مني من كان أتقى لله عز وجل، وأطوع له، والله ما نسخت هذه الآية {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم}”.
زهده عليه السلام
ومن صفات الإمام الرضا عليه السلام الزهد في الدنيا، والإعراض عن مباهجها وزينتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد حيث قال:” كان جلوس الرضا على حصيرة في الصيف، وعلى مسح-الكساء من الشعر- في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين “.
والتقى به سفيان الثوري -وكان الإمام قد لبس ثوباً من خز- فأنكر عليه ذلك وقال له: لو لبست ثوبا أدنى من هذا. فأخذ الإمام عليه السلام يده برفق، وأدخلها في كُمّه فإذا تحت ذلك الثوب مسح، ثم قال له:”يا سفيان! الخزّ للخلق، والمسح للحق …”.
وحينما تقلّد ولاية العهدلم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة، ولم يقم لها أي وزن، ولم يرغب في أي موكب رسمي، حتى لقد كره مظاهر العظمة التي كان يقيمها الناس لملوكهم .
سخاؤه عليه السلام:
ولم يكن شيء في الدنيا أحبّ إلى الإمام الرضا عليه السلام من الإحسان إلى الناس والبر بالفقراء. وقد ذكرت بوادر كثيرة من جوده وإحسانه، وكان منها ما يلي:
1- أنفق جميع ما عنده على الفقراء، حينما كان في خراسان، وذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل، وقال له: إنّ هذا لمغرم …
فأجابه الإمام عليه السلام: “بل هو المغنم لا تعدّنّ مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً”.
إنه ليس من المغرم في شيء صلة الفقراء والإحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى، وإنّما المغرم هو الإنفاق بغير وجه مشروع، كإنفاق الملوك والوزراء الأموال الطائلة على المغنّين والعابثين.
2- وفد عليه رجل فسلّم عليه، وقال له: “أنا رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك عليهم السلام، ومصدري من الحج، وقد نفدت نفقتي، وما معي ما أبلغ مرحلة، فإن رأيت أن ترجعني إلى بلدي، فإذا بلغت تصدقت بالذي تعطيني عنك، فقال له: اجلس رحمك الله. وأقبل على الناس يحدّثهم حتى تفرّقوا، وبقي هو وسليمان الجعفري، وخيثمة، فاستأذن الإمام منهم ودخل الدار ثم خرج وردّ الباب وأخرج من أعلى الباب صرّة، وقال: أين الخراساني؟ فقام إليه فقال عليه السلام له: خذ هذه المئتي دينار واستعن بها في مؤنتك ونفقتك، ولا تتصدّق بها عني. وانصرف الرجل مسروراً قد غمرته نعمة الإمام. والتفت إليه سليمان فقال له: جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه؟
فأجابه الإمام عليه السلام: إنما صنعت ذلك مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة، والمذيع بالسيئة مخذول … أما سمعت قول الشاعر:
متى آته يوما لأطلب حاجتي رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه
3- وكان إذا أتي بصحفة طعام، عمد إلى أطيب ما فيها من طعام، ووضعه في تلك الصحفة ثم يأمر بها إلى المساكين، ويتلو قوله تعالى:{فلا اقتحم العقبة} ثم يقول:”علم الله عزّ وجلّ أن ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل له السبيل إلى الجنة”.
4- وروي:”أن فقيراً قال له: أعطني على قدر مروّتك.
فأجابه الإمام عليه السلام: “لا يسعني ذلك”.
والتفت الفقير إلى خطأ كلامه فقال ثانياً: اعطني على قدر مروّتي.
وهنا قابله الإمام عليه السلام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً له: إذن نعم.
ثم قال: يا غلام! أعطه مائتي دينار”.
5- ومن معالي كرمه ما رواه أحمد بن عبيد الله عن الغفاري، قائلاً: كان لرجل من آل أبي رافع – مولى رسول الله صلى الله عليه وآله- عليَّ حق فتقاضاني، وألحَّ عليَّ، فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم توجهت نحو الإمام الرضا عليه السلام وكان في العُريض، فلما قربت من بابه خرج وعليه قميص ورداء فلما نظرت إليه، استحييت منه، ووقف لما رآني فسلمت عليه وكان ذلك في شهر رمضان، فقلت له: جعلت فداك لمولاك – فلان – عليَّ حق، شهرني. فأمرني بالجلوس حتى يرجع فلم أزل في ذلك المكان حتى صليت المغرب، وأنا صائم وقد مضى بعض الوقت فهممت بالانصراف، فإذا الإمام قد طلع وقد أحاط به الناس، وهو يتصدّق على الفقراء والمحوجين، ومضيت معه حتى دخل بيته، ثم خرج فدعاني فقمت إليه، وأمرني بالدخول إلى منزله فدخلت، وأخذت أحدثه عن أمير المدينة فلما فرغت من حديثي قال لي: ما أظنّك أفطرت بعد، قلت: لا ، فدعا لي بطعام، وأمر غلامه أن يتناول معي الطعام ولمّا فرغت من الإفطار أمرني أن أرفع الوسادة، وآخذ ما تحتها، فرفعتها، فإذا دنانير فوضعتها في كُمّي، وأمر بعض غلمانه أن يبلغوني إلى منزلي، فمضوا معي، ولمّا صرت إلى منزلي دعوت السراج ونظرت إلى الدنانير، فإذا هي ثمانية وأربعون ديناراً، وكان حق الرجل علي ثمانية وعشرين ديناراً، وقد كتب على دينار منها: إنّ حقّ الرجل عليك ثمانية وعشرون ديناراً وما بقي فهو لك.
تكريمه للضيوف
كان عليه السلام يكرم الضيوف، ويغدق عليهم بنعمه وإحسانه وكان يبادر بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص، وكان الإمام يحدثه في بعض الليل فتغيّر السراج فبادر الضيف لإصلاحه فوثب الإمام، وأصلحه بنفسه، وقال لضيفه: “إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا”.
عتقه للعبيد
ومن أحب الأمور إلى الإمام الرضا عليه السلام عتقه للعبيد، وتحريرهم من العبودية، ويقول الرواة: انه اعتق ألف مملوك.
إحسانه إلى العبيد
وكان الإمام عليه السلام كثير البر والإحسان إلى العبيد، وقد روى عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل بلخ، قال: كنت مع الإمام الرضا عليه السلام في سفره إلى خراسان فدعا يوماً بمائدة فجمع عليها مواليه، من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة، فأنكر عليه ذلك وقال له:”مه ان الربّ تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد والجزاء بالأعمال…”.
ان سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام كانت تهدف إلى إلغاء التمايز العرقي بين الناس، وانهم جميعاً في معبد واحد لا يفضل بعضهم على بعض إلاّ بالتقوى والعمل الصالح.
علمه
والشيء البارز في شخصية الإمام الرضا عليه السلام هو إحاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف، فقد كان بإجماع المؤرخين والرواة اعلم أهل زمانه، وأفضلهم وأدراهم بأحكام الدين، وعلوم الفلسفة والطب وغيرها من سائر العلوم، وقد تحدّث عبد السلام الهروي عن سعة علومه، وكان مرافقاً له، يقول:”ما رأيت اعلم من علي بن موسى الرضا، ما رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن أخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل، واقرّ له على نفسه بالقصور، ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا عيّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم، وبعثوا إليّ المسألة فأُجيب عنها ..”.
لقد كان الإمام أعلم أهل زمانه، كما كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة، والفروع الفقهيّة .
قال إبراهيم بن العباس:”ما رأيت الرضا يسأل عن شيء قط إلاّ علم، ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان الأول، إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيبه الجواب الشافي”.
قال المأمون: “ما أعلم أحداً افضل من هذا الرجل -يعني الإمام الرضا- على وجه الأرض…”.
مؤلفات الإمام الرضا عليه السلام
• ما كتبه إلى محمد بن سنان في جواب مسائله عن علل الأحكام.
• العلل كما نقله عنه الفضل بن شاذان.
• ما كتبه إلى المأمون من محض الإسلام، وشرائع الدين. وهذه الثلاثة نقلها الصدوق في عيون أخبار الرضا.
• الرسالة الذهبية في الطب.
• ما كتبه إلى المأمون في جوامع الشريعة.
• صحيفة الرضا.
استشهاد الإمام الرضا (ع) مسموماً على يد المأمون أسبابه ودلائله
من الأسباب التي دعت المأمون العباسي إلى قتل الإمام الرضا عليه السلام بدس السمّ اليه في الاكل، انّه لم يحصل على ما أراد من توليته للعهد، فقد حدثت له فتنة جديدة وهي تمرّد العباسيين عليه، ومحاولتهم القضاء عليه.
ومن الأسباب التي وردت عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي في قوله: (… وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا; فيسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاًّ في نفوسهم، وجلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً من أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه وألزمه الحجة.
وكان الناس يقولون: والله إنّه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه، فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده).
وكان الرضا لا يُحابي المأمون في حق، وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله; فيغيظه ذلك، ويحقد عليه، ولا يظهره له، فلمّا أعيته الحيلة في أمره اغتاله فقتله بالسم.
وقد نصحه الإمام (عليه السلام) بأن يبعده عن ولاية العهد لبغض البعض لذلك، وقد علّق إبراهيم الصولي على ذلك بالقول: كان هذا والله السبب فيما آل الأمر إليه.
إضافة إلى ذلك أن بعض وزراء المأمون وقوّاده كانوا يبغضون الإمام (عليه السلام) ويحسدونه، فكثرت وشاياتهم على الإمام (عليه السلام)، فأقدم المأمون على سمّه.
وبدأت علامات الموت تظهر على الإمام (عليه السلام) بعد أن أكل الرمان أو العنب الذي أطعمه المأمون، وبعد خروج المأمون ازدادت حالته الصحية تدهوراً، وكان آخر ما تكلم به: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً).
ودخل عليه المأمون باكياً، ثم مشى خلف جنازته حافياً حاسراً يقول: (يا أخي لقد ثلم الإسلام بموتك وغلب القدر تقديري فيك) وشق لحد هارون ودفنه بجنبه.
وقد رثاه دعبل الخزاعي قائلاً:
أرى أمية معذورين إن قتلوا = ولا أرى لبني العباس من عذر
أربع بطوس على قبر الزكي به = إن كنت تربع من دين على خطر
قبران في طوس خير الناس كلّهم = وقبر شرهم هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما = على الزكي بقرب الرجس من ضرر
وكانت شهادة الإمام الرضا (عليه السلام) في آخر صفر سنة (203 هـ) كما ذكر على ذلك أغلب الرواة والمؤرخين.
ويروى انه اشتشهد في الثالث و العشرون من شهر ذي القعدة.
لقد كان الإمام الرضا (عليه السلام) يعلم بأنه سوف يُقتل، وذلك لروايات وردت عن آبائه عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، إضافة إلى الإلهام الإلهي له، لوصوله إلى قمة السموّ والارتقاء الروحي. ولا غرابة في ذلك، فقد شاهدنا في حياتنا المعاصرة أن بعض الأتقياء يحدّدون أيام وفاتهم أو سنة وفاتهم، لرؤيا رأوها أو لإلهام إلهي غير منظور. فما المانع أن يعلم الإمام الرضا (عليه السلام) بمقتله وهو الشخصية العظيمة التي ارتبطت بالله تعالى ارتباطاً حقيقياً في سكناتها وحركاتها، وأخلصت له إخلاصاً تاماً.
وقد أخبر الإمام (عليه السلام) جماعة من الناس بأنّه سيدفن قرب هارون، بقوله (عليه السلام): (أنا وهارون كهاتين)، وضم إصبعيه السبابة والوسطى.
وكان هارون يخطب في مسجد المدينة والإمام حاضر، فقال (عليه السلام):
(تروني وإياه ندفن في بيت واحد).
وفي ذات مرّة، خرج هارون من المسجد الحرام من باب، وخرج الإمام من باب آخر فقال (عليه السلام): (يا بعد الدار وقرب الملتقى إن طوس ستجمعني وإياه).
وقال ابن حجر: أخبر بأنه يموت قبل المأمون، وأنّه يدفن قرب الرشيد فكان كما أخبر.
وحينما أراد المأمون أشخاصه إلى خراسان، جمع عياله وكان (عليه السلام) يقول: (إني حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى اسمع، ثم فرقت فيهم اثنى عشر إلف دينار، ثم قلت: أما أني لا أرجع إلى عيالي أبداً).
وحينما أنشده دعبل الخزاعي قصيدته ـ بعد ولاية العهد ـ وانتهى إلى قوله:
وقبر ببغداد لنفس زكية = تضمّنها الرحمن في الغرفات
قال له الإمام (عليه السلام): أفلا اُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟
فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال (عليه السلام):
وقبر بطوس يا لها من مصيبة = توقد في الأحشاء بالحرقات
فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟
فقال الإمام (عليه السلام): قبري، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري…).
وقد تقدم أنه أخبر عن عدم إتمام ولاية العهد.
الأدلة على شهادته مسموماً:
اختلفت الروايات في سبب موت الإمام (عليه السلام) بين الموت الطبيعي وبين السمّ، وقال الأكثر إنّه مات مسموماً، وفيما يلي نستعرض بعض الروايات ـ الدالة على ذلك ـ باختصار.
قال صلاح الدين الصفدي: وآل أمره مع المأمون إلى أن سمّه في رمّانة… مداراة لبني العباس.
وقال اليعقوبي: فقيل إن علي بن هشام أطعمه رمّاناً فيه سمّ.
وقال ابن حبّان: ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته.
وقال شهاب الدين النويري:… وقيل إن المأمون سمّه في عنب، واستبعد ذلك جماعة وأنكروه.
وقال القلقشندي: يقال إنه سمّ في رمّان أكله.
وكان أهل طوس يرون أن المأمون سمّه، وقد اعترف المأمون بتهمة الناس له فقد دخل على الإمام (عليه السلام) قبيل موته فقال: (يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي؟ فقدي لك، وفراقي إياك؟ أو تهمة الناس لي أني اغتلتك وقتلتك…).
ولما كان اليوم الثاني اجتمع الناس وقالوا: إن هذا قتله واغتاله، يعنون المأمون.
ومن الشواهد على أن المأمون قتله مسموماً، أنه كان يخطط للتخلص منه.
قال المأمون لبني العباس:… فليس يجوز التهاون في أمره، ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلاً قليلاً، حتى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبّر فيه بما يحسم عنّا مواد بلائه.
ويأتي موت الإمام (عليه السلام) بعد قرار المأمون بالتوجه إلى العراق ونقل عاصمة حكمه إليه، فقد وجد أنّ العباسيين في العراق سيبقون معارضين له ما دام الإمام (عليه السلام) ولياً لعهده، لذا نجده قد كتب لهم ليستميلهم: إنكم نقمتم عليّ بسبب توليتي العهد من بعدي لعلي بن موسى الرضا، وها هو قد مات، فارجعوا إلى السمع والطاعة.
ولا يستبعد من المأمون أن يقدم على قتله، وقد قتل من أجل الملك والسلطة أخاه وآلاف المسلمين من جنوده وجنود أخيه، فالملك عقيم كما أخبره أبوه من قبل.
مرقده الشريف
يقع المرقد المطهر في وسط مدينة مشهد والتي تبعد مسافة 924كم عن العاصمة طهران ، ويزور مرقده الشريف ملايين المسلمين من أتباع أهل البيت عليه السلام بمختلف المناسبات الدينية لاسيما ذكرى مولده الشريف واستشهاده المؤلمة.