كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي معروفة في مكة بالعفة والجمال والغنى والعقل والحكمة، فسميت بسيدة قريش والطاهرة.
والمرأة التي تمتلك هذه الصفات يسعى الرجال للزواج منها لكنها رفضت كل الخاطبين لها، ثم تقدمت إلى النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليخطبها. فكلمت هالة أخت خديجة عمار بن ياسر، الذي أخبر بدوره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بخطبة خديجة له.
فذهب أبو طالب خاطبا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى عمها عمرو بن أسد أثر مقتل أبيها في حرب الفجار.
وكانت خديجة قد ردت الخاطبين القرشيين وغيرهم لها، وعلى رأسهم أبو سفيان، وأبو جهل، وعقبة بن أبي معيط.
فتمت الموافقة، وحصل الزواج بينهما. فحسدت نساء قريش خديجة لزواجها بأفضل وأكمل وأشرف الناس محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
وحسد الطغاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لزواجه بسيدة نساء قريش المسماة بالطاهرة المرأة الشريفة الغنية العفيفة.
ومن صور حسد طغاة قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )، تصويرهم مبعثه ببطولة ورقة بن نوفل، بمجئ خديجة بزوجها إلى ورقة بن نوفل خائفا مترددا حائرا ! فأخبره ورقة بن نوفل بأن ذلك الناموس الأكبر الذي نزل على عيسى ( عليه السلام )!
والحقيقة أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان عارفا بنبوته منذ طفولته شأنه شأن عيسى ( عليه السلام ) الذي قال في مهده: ( آتاني الكتاب وجعلني نبيا ).
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعبد الله تعالى في غار حراء انتظارا لنزول القرآن الكريم، ومن المضحك ادعاء معرفة الكهان والرهبان والملوك بنبوة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا يعرف هوبذلك !
ومن المفيد جدا ذكر خطبة الزواج التي قالها أبو طالب لمعرفة إيمان بني هاشم بالتوحيد والنبوة قبل البعثة وجاء فيها: ” الحمد لرب هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وأنزلنا حرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه. ثم إن ابن أخي هذا – يعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) – ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه، ولا عدل له في الخلق، وإن كان مقلا في المال، فإن المال
رفد جار، وظل زائل، وله في خديجة رغبة. وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله. وله – ورب هذا البيت – حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل. وهي تدل على سمو مرتبة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على خديجة من الناحية الشخصية، والقبلية، والنسبية، والدينية. ولم يكن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقيرا في وقتها لأنه عاد من سفرته التجارية من الشام رابحا، ومما يؤكد ذلك ما جاء في رواية أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمهرها عشرين بكرة.
وأنا أميل إلى هذه الرواية الموافقة لما جاء في القرآن الكريم من كون المهر على الرجال دون النساء في قوله تعالى: (… وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا… ).
وقال شعيب ( عليه السلام ) في قضية مهر ابنته التي تزوجها موسى ( عليه السلام ): ( قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك، وما أريد أن أشق عليك… ).
وفي الرواية أمهرها النبي ( صلى الله عليه وآله) خمسمائة درهم لذا قال العلامة الحلي: من تزوج على كتاب الله وسنة نبيه ولم يسم مهرا فمهرها خمسمائة درهم وهو مهر السنة.
وقالوا: ” إن خديجة قد ردت بلطف مهر زواجها الذي دفعه أبو طالب ودفعته هي من ما لها. فقال رجال: يا عجبا المهر على النساء للرجال ! !
فغضب أبو طالب وقال: إذا كان مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان.