المرأة كانت وما زالت الموضوع القلق الذي يشغل المفكرين والنخب الإسلامية، كونها موضوع مرت بمخاضات فكرية في فهم شخصيتها وحدود وظيفتها ، وتراكمت الفكرة حولها معرفياً بما أثر على نموها المعرفي والوظيفي .
وفي العقود الأخيرة وخاصة مع الانفتاح العالمي في ظل العولمة، طرح موضوع المرأة محدداً بإشكاليات جديدة ومن زوايا أخرى أهمها حقوق المرأة، وكان لهذا الموضوع دوراً مهما في إثارة جدليات فكرية ونظريات حول موضوع حقوقها بين المؤسسات الدينية، والشخصيات الفكرية، والنخب، والمثقفين كانت تتراوح بين وجهات نظر تجزيئية وأخرى مفرّطة وغيرها مُفْرِطة .
إضافة لإنجرار كثير من النخب سواء في المؤسسات الدينية، أو الفكرية لهذه الموجة الحقوقية بما أثر على النظرة الموضوعية العلمية الشاملة لموضوع المرأة وحقوقها، نحتاج في قراءة الشخصيات التاريخية النموذجية إلى دراستها على أساس قراءة كلية بالنظر إلى الزمان والمكان، وكيف يمكن الاستفادة منها كمنهج نقدمه نحن كسفراء لها نستطيع من خلاله التمثيل الصحيح .
والنظرة الكلية تتيح لهذه النماذج أن تتسيد كمنهج عملي وليس فقط كشخصيات أسطورية تبقى في عالم الخيال، وترتكز في ذاكرة الأجيال على أنها صعبة التحقق والوصول لها بعيد المنال، بل علينا أن نقدمها كنموذج يمكنه أن يتسيد مجتمعاتتا بطريقة عصرية للجيل تجمع بين الأصالة والخلود، وتقدم بديلاً حضارياً يجيب على كل تساؤلات الجيل، ويمنحها أمناً فكرياً، وعاطفياً، ونفسياً، وسلوكياً بما يغنيها عن النماذج الفاسدة، ويكون ذلك من خلال استقراء كامل لها في عدة اتجاهات:
١- استقراء البيئة الحاضنة _أي الأسرة_فننظر لما قدمته هذه الأسرة من منظومة قيم ومبادئ متكاملة، ومتناغمة مع المنهج الإسلامي بثلاثيته العقدية، والفقهية والأخلاقية وبما لا يتناقض مع مقاصده .
٢- استقراء لها كذات وشخص في ضمن هذه العائلة كمنهج فكري، وسلوكي كابنة وكزوجة وأم، ومن جهة أخرى في علاقتها مع الخالق الذي يؤسس لكل ارتباطاتها العلائقية.
٣- استقراءها كرسالية وفرد في المجتمع وكمأموم عاقل وواع .
٤- أن ننظر لزينب كـ امرأة ضمن منظومة الإسلام المتكاملة كي نستوعب شخصية المرأة في المنظومة الإسلامية ، فلكي نعرف ونطلع على جانب من شخصية زينب (ع) علينا أن نعرفها كنموذج كامل حتى نرى أن الجانب الجزئي لا ينفصل عن الكل، وأن صدق دورها الجزئي يعكس صدق الأصل، لا نستطيع إبقاء زينب في دائرة حزبية أو مذهبية ضيقة لأن ذلك يمنع من سيادتها كنموذج في المجتمعات ، بل علينا أن نخرجها لرحاب الإنسانية الجامعة القادرة على استيعاب إما “أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق “، هذا الخروج يفتح آفاقنا نحو معرفة زينب كما أرادها الله لا كما رسمته مخيلات البشر ، وهذا الخروج يخلق لنا آفاق خلاقة في فهم الأبعاد الوظيفية لشخصية المرأة من خلال زينب (ع) ، وبما يتناسب مع قاعدة “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” حيث تمثل زينب (ع) امتداد رسالي عميق يجعلها مصداق للرحمة للعالمين.
فالإطلاع على النموذج كمرجعية معصومة، وكنموذج كلي يعطينا قدرة على تطبيق هذا النموذج على كل المصاديق ، آخذين في الحسبان الاختلاف في الزمان والمكان، ومتطلعين إلى الكليات والثوابت في هذا النموذج الصالح لكل زمان ومكان، فزينب (ع) إذا أردنا أن نتعرف على جزء من شخصيتها فيجب أن يتناغم هذا الجزء مع كافة الجزئيات المكونة للنموذج، بطريقة لا يتناقض فيها جزء مع أخر مما يشوه المنظومة الكاملة ، فزينب (ع) هي منظومة متكاملة من القيم والمبادئ المتناغمة مع مقاصد الإسلام ومساراته المتعددة.
فحينما نسلط الضوء على عفاف زينب(ع) وعفتها فهذا يعتبر ثمرة لتراكم كمي ونوعي في منظومتها المعرفية ، حيث العفاف والعفة كمال ظاهري باللباس الشرعي وكمال باطني ومعنوي يتألق بالروح أمام الخالق سيراً وسلوكاً وفكراً، فيعصم العقل والفكر والقلب عن كل لهو وفراغ وترف وفرعيات وجزئيات ، إنها عفة وعفاف مادي ومعنوي ، جسدي وروحي وعقلي ، تراكم وتكامل في كل اتجاهات الشخصية الزينبية ، فلا نستطيع التركيز على جزء وإهمال الأجزاء الأخرى لأنها ستضر بمنظومة قيمتي العفاف والعفة.
وإذا ما أردنا النظر إلى جانب وظيفي من شخصية زينب (ع) السلام مثلاً كممرضة في ساحات القتال ، فإن القيم الإنسانية تتجسد كاملة في زينب (ع) ، فعلاجها لا يقتصر على آلام وأمراض الجسد ، بل يتعداه للعلاج الروحي، والنفسي، والمعنوي، والعقلي بحيث يصبح العلاج هنا منهج متكامل يتعاطى مع كل مقومات الإنسان وجوانبه الروحية والعقلية والجسدية .
فكيف يمكن للمرأة اليوم أن تصبح زينبية المنهج ؟ بتجسيد منظومة القيم هذه في سلوكها الوظيفي الاستخلافي في الحياة ، لتستحضر النموذج الزينبي وتحقق حقيقة الإحياء لشخصية زينب(ع) سلوكياً ومنهجياً وعملياً ، لتسود زينب(ع) كنموذج بسيادة منهجها، ولا يكون ذلك إلا بالمعرفة والعلم المتكامل والكامل الذي يغطي الجانب الجسدي في العلاج مع الجانب الروحي والمعنوي والعقلي .
فاليوم فرصتنا لنقدم نموذج قادر على التسيد كمرجعية لجميع الأجيال ، نموذج عالمي إنساني بديل لعولمة نماذج تعتمد على الجانب المادي القاصر على الملذات والشهوات بطريقة تضر الأجيال، وتنحرف بهم عن وظيفتهم وأهدافهم الحقيقية.