عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ، وكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ».
تحملُ التربيةُ الإيمانيةُ أبعاداً متعددةَ الجوانبِ ومن أهمِّها ما يرتبطُ بنصرةِ الحقِّ ومواجهةِ الباطلِ، وبذلِ الغالي والنفيسِ في سبيلِ ذلك، وقد كانت مدرسةُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) مدرسةَ التضحيةِ والجهادِ رفضاً للظلمِ وهضمِ الحقوقِ.
وكانت السيدةُ الزهراءُ (عليها السلام) أولَ من نادى بنصرةِ الحقِّ بعد وفاةِ أبيها رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فعلى الرغمِ منَ المدّةِ القصيرةِ زماناً والفاصلةِ لها عن اللحاقِ بأبيها (صلى الله عليه وآله) نجدُ أنَّها استفادتْ من كافةِ الوسائلِ الممكنةِ للانتصارِ لنهجِ الولايةِ المتمثّلِ بأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام).
وتُشكّلُ خطبةُ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السلام) في مسجدِ أبيها مَفْصَلاً مهمّاً يتحدّثُ عنه السيد الخامنئيُّ مبيّناً عظمةَ هذا الخَطْبِ بملاحظةِ الظروفِ المحيطةِ، فيقول: «لو اتضحتْ لنا ظروفُ المدينةِ المنورةِ بعدَ رحيلِ الرسولِ الأكرمِ (صلى الله عليه وآله) والوضعُ الذي كان آنذاك وتصوّرْنا القضيةَ بصورةٍ صحيحةٍ، عندها سنستطيعُ أنْ نُدركَ أيَّ عملٍ عظيمٍ قامتْ به فاطمةُ الزهراءُ.
كانت ظروفاً صعبة جداً ولا يُمكنُ إيضاحُها حتى للخواصِّ. ولم يقمْ من كلِّ أصحابِ الرسولِ الأكرمِ (صلى الله عليه وآله) سوى عشرةِ أشخاصٍ أو إثني عشرَ شخصاً في المسجدِ ليدافعوا عن الإمامِ عليِّ بن أبي طالبٍ وعن حقِّه. هكذا كانت الظروف. في مثلِ هذه الظروفِ تأتي ابنةُ الرسولِ الأكرمِ (صلى الله عليه وآله) إلى المسجدِ وتُلقي تلك الخطبةَ الغرّاءَ بذلك البيانِ العجيبِ والأداءِ الرائعِ وتُبيّنُ الحقائق».
لقد اعتمدتِ الزهراءُ (عليها السلام) في المواجهةِ على أمورٍ:
1- واجهتْ (عليها السلام) منطقَ القومِ بما برّروا به ما جرى من أحداثٍ، فقالتْ (عليها السلام): «ابتداراً زعمتُمْ خوفَ الفتنةِ، ألا في الفتنةِ سقطوا وإنَّ جهنّمَ لمحيطةٌ بالكافرينَ».
2- كشفتْ لهم عن الطريقِ الصحيحِ للوصولِ إلى الحقِّ من خلالِ الرجوعِ إلى كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فقالتْ (عليها السلام): «وكتابُ اللهِ بين أظهركِم، أمورُه ظاهرةٌ، وأحكامُه زاهرةٌ، وأعلامُه باهرةٌ، وزواجرُه لايحةٌ، وأوامرُه واضحةٌ، قد خلّفتموه وراءَ ظهورِكم، أرغبةً عنه تريدون؟ أم بغيرِهِ تحكمون؟ بئس للظالمينَ بدلاً».
3- كشفتْ مرجعيةَ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) بوصفِه الأعلمَ بينهم، بما يحتّمُ عليهم الرجوعَ إليه، وأنَّهم لو اعتمدوا على أنفسِهم في الرجوعِ إلى القرآنِ لما اهتدَوا إلى الحقِّ، قالت (عليها السلام): «أفخصّكم اللهُ بآيةٍ (من القرآنِ) أخرجَ أبي محمداً(صلى الله عليه وآله) منها؟ أم تقولون إنَّ أهلَ ملّتينِ لا يتوارثانِ؟ أَوَلستُ أنا وأبي من أهلِ ملّةٍ واحدةٍ؟ أم أنتم أعلمُ بخصوصِ القرآنِ وعمومِه من أبي وابنِ عمّي؟».
4- إنَّ العدالة الإلهيّة تبقى هي الحاكمةُ وإنّ البعدَ الإيمانيَّ المرتبطَ بالآخرةِ هو الذي يشدُّ من عزيمةِ أهلِ الإيمانِ، ولذا قالتْ (عليها السلام) في خطبتِها: «فنعمَ الحَكَمُ اللهُ، والزعيمُ محمدٌ (صلى الله عليه وآله) والموعدُ القيامةُ، وعند الساعةِ يخسرُ المبطلونَ، ولا ينفعُكم ما قُلتم إذْ تندمونَ، ولكلِّ نبإٍ مستقرٌّ، وسوف تعلمونَ من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحلُّ عليه عذابٌ مقيم».