قام الإمام الباقر عليه السلام بتبيين العديد من الجوانب العقائديّة والفقهيّة والفكريّة, نشير إلى أهمّها:
1- تجديد علم التوحيد, وتعليم الأمّة تنزيه الله تعالى وتحصينها من التشبيه.
2- توضيح مقام النبوّة وردّ التّهم والشبهات حول شخصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله, وكشف تحريفات سنّته وسيرته من قبل الحكومات ورواتها.
3- بيان عقيدة الإمامة وأصالتها في نسيج الإسلام, وتحديد الفئة الناجية, وإرساء معالم عقائدها, وتعليم الأمّة البراءة من مدّعي الإمامة.
4- بيان معالم الفقه الإسلاميّ ووضع أصول الفقه, في مواجهة الفقه الظنّي والكيفيّ, الذي تبنّته الحكومات وعلماؤها, وأصول الحديث في مواجهة الإسرائيليّات والمكذوبات عند بعض الرّواة.
5- فتح نافذة على الأمّة من الغيب النبويّ, وإخبارها عن بعض الأحداث في مستقبلها القريب والبعيد حتّى يتحقّق الوعد الإلهيّ بظهور مهديّها الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
قال الشيخ المفيد قدّس سرّه: “وكان الباقر أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام من بين إخوته خليفة أبيه عليّ بن الحسين, ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد والسؤدد، وكان أنبههم ذكراً, وأجلّهم في العامّة والخاصّة وأعظمهم قدراً، ولم يَظهر عن أحدٍ من ولد الحسن والحسين عليهما السلام من علم الدين والآثار والسنّة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر عليه السلام، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين، وصار بالفضل به عَلَماً لأهله تضرب به الأمثال، وتسير بوصفه الآثار والأشعار، وفيه يقول القُرَظِيُّ:
يَا بَاقِرَ العِلْمِ لِأَهْلِ التُّقَى وَخَيْرَ مَنْ لَبَّى عَلَى الأَجْبُلِ
وقال مالك بن أعين الجهنيّ فيه:
إِذا طَلَبَ النَّاسُ عِلْمَ القُرْآ نِ كَانَتْ قُرَيْشٌ عَلَيْهِ عِيَالَا
وَإِنْ قِيلَ: أَيْنَ ابْنُ بِنْتِ النَّبِـ ـيِّ؟ نِلْتَ بِذَاكَ فُرُوعاً طِوَالا
نُجُومٌ تَهَلَّلُ لِلْمُدْلِجِينَ جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْماً جِبَالا4
وقد روى أبو جعفر عليه السلام أخبار المبتداء وأخبار الأنبياء، وكتب عنه الناس المغازي وأثروا عنه السنن واعتمدوا عليه في مناسك الحجّ التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وآله, وكتبوا عنه تفسير القرآن، وروت عنه الخاصّة والعامّة الأخبار، وناظر من كان يردّ عليه من أهل الآراء، وحفظ عنه الناس كثيراً من علم الكلام.
ب- بناء النخبة الصالحة:
لقد جهد الأئمّة عليهم السلام في تربية مجموعة من الأفراد كان لهم قصب السبق في الفضيلة, ومن هنا كان لكلّ إمام ثلّة طاهرة من الأصحاب والأنصار, عرفوا بالحواريّين.
وقد كان للإمام الباقر عليه السلام مجموعة من الأصحاب نالوا مرتبة عالية من العلم والعمل, يقول الشيخ الكشّي أحد أئمّة علم الرجال: “أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الأسديّ، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفيّ، قالوا: وأفقه الستّة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسديّ أبو بصير المراديّ وهو ليث بن البختريّ”6.