في الحديث عن أحوال السيدة زينب عليها السلام في المدينة بعد رجوعها من الشام، فإنّها لما عادت والإمام السجاد وأهل بيته عليهم السلام إلى مدينة جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بلغ عبد الله بن جعفر زوج زينب مقتل إبنيه محمد وعون مع الحسين عليه السلام، فجلس للعزاء عليهم، وأخذ الناس يدخلون عليه ويعزّونه بمصابه بهم، فلما اجتمعوا عنده قال: الحمد لله عزّ وجلّ على مصرع الحسين، إن لم تكن يداي واست حسيناً فقد واساه ولداي، والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه، والله إنّه لممّا يُسخي بنفسي عنهما، ويهون عليّ المصاب بهما، أنّهما أصيبا مع أخي وابن عمّي، مواسين له صابرين معه.
ونقل العبيدلي العرجي في كتابه (أنساب آل أبي طالب) بسنده عن مصعب بن عبد الله، قال: لما قام عبدالله بن الزبير بمكة، وحمل الناس على الأخذ بثأر الحسين، وخلع يزيد، وبلغ بعد ذلك أهل المدينة خطبت زينب فيهم وصارت تؤلّبهم على القيام للأخذ بالثأر، فبلغ ذلك الأمير الأموي على المدينة عمرو بن سعيد الأشدق وكتب إلى يزيد يُعلمه بالخبر.
فكتب يزيد إليه: أن فرّق بينها وبينهم (أهل المدينة).
فأبلغها بالخروج من المدينة والإقامة حيث تشاء .
وخرجت الحوراء زينب عليها السلام من المدينة كرهاً، في أواخر شهر ذي الحجة سنة 61 للهجرة أي قبل أن يحول الحول على قتل أخيها الحسين عليه السلام ومعه إبنتاه فاطمة وسكينة، قاصدة مصر أو الشام بحسب إختلاف روايات المؤرخين.
وبعد مضي سنة توفيت عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من شهر رجب سنة 62 للهجرة، كما واختُلف في محل دفنها بين المدنة ومصر والشام. وسنتعرض لهذا البحث بشكل موجز فيما يلي.
مراقد الزينبيات بنات علي عليه السلام:
ذكر السيد العُبيدلي الأعرجي الحسينّي النسّابة (م:277 هـ) في كتابه (أخبار الزينبيات) لأمير المؤمنين علي عليه السلام زينباً أخرى لقّبها بالصغرى، وقال: أمّها أم ولد، خطبها عقيل أخو علي عليهم السلام لإبنه محمد، فزوّجه إياها، فولدت له: القاسم، وعبد الله، وعبد الرحمن، وماتت زينت هذه بالمدينة. وذكر له زينباً أخرى، ولقبّها بالوسطى([4]). وهذه أيضاً دفنت كالسابقة في المدينة، وأمّا زينب الكبرى بطلة كربلاء ففي موضع دفنها أقوال ثلاثة:
القول الأول: إنها دفنت في المدينة في مقبرة البقيع وهذا القول خلاف المشهور.
القول الثاني: أنها دفنت في مصر.
القول الثالث: أنها دفنت ناحية دمشق الشام.
وقال الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه (مع بطلة كربلاء السيدة زينب عليها السلام بنت أمير المؤمنين عليه السلام): “ويلاحظ أن علماءنا الذين عليهم الإعتماد، كالكليني والصدوق والمفيد والطوسي والحلي لم يتعرضوا لمكان قبرها، حتى نرجح بقولهم كلاً أو بعضاً أحد الأقوال الثلاثة، فلم يبق إلا الشهرة بين الناس”.
وإذا نظرنا في الأقوال الثلاثة ليس من شك أن زيارة المشهد المشهور بالشام، والجامع المعروف بمصر بقصد التقرب إلى الله سبحانه تعظيماً لأهل البيت عليهم السلام الذين قربهم الله، ورفع درجاتهم ومنازلهم، حسنة وراجحة، لأن الغرض إعلان الفضائل، وتعظيم الشعائر، والمكان وسيلة لا غاية، وقد جاء في الحديث: “نية المرء خير من عمله”
وعلى هذا الأساس لا بدّ من الإهتمام بزيارتها أينما كانت، وبما أنه لم يذكر العلماء لزيارتها نصاً خاصّاً بها، يمكننا أن نزورها بتلك الزيارات العامّة التي يزار بها أولاد الأئمة عليهم السلام.
والأفضل أن تزار بالزيارة التي وردت للسيدة فاطمة المعصومة عليها السلام بتغيير بعض الألفاظ والأسماء.