ليس لهذا القلم أو هذا البحث المختصَر أن يستوعب ويبيّن تلك المظاهر الرحمانيّة التي جاء بها رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ، ولكن هذا لا يمنعنا من القول بأنّ النبيّ(ص) استطاع في فترةٍ تاريخيّة وجيزة تحقيق أعظم الإنجازات وتقديم الخير-الذي رُفض- للأمّة جمعاء.
ومن ذلك: التحوّل الكبير الذي حصل في الأمّة على جميع المستويات، ولكي نوفي الموضوع حقَّه مع هذا الاختصار، نشير إلى ما ذكره الإمام علي(عليه السلام) في هذا المجال حيث يبيّن لنا بعض تلك الإنجازات والتحوّلات التي شهدتها الأمّة من خلال البعثة النبويّة الشريفة.
أوّلًا: على المستوى العقائديّ:
فقد نقلهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد وذلك بعد أن كانوا في ضياعٍ وتيه وضلال وانحراف، وليس لهم علم للهداية.
يقول الإمام علي(عليه السلام) : “أرسله وأعلام الهدى دارسة ومناهج الدين طامسة”12.
وقال(عليه السلام) : “بعثه حين لا علمٌ قائم ولا منارٌ ساطع ولا منهجٌ واضح”13.
ثانيًا: على المستوى الاجتماعيّ:
فالحاكم فيهم في تلك الفترة هو قيَم الجاهليّة وأحكامها كما يقول الإمام علي(عليه السلام) : “إنّ الله تعالى بعث محمّدًا(صلّى الله عليه وآله وسلَّم) …وأنتم معشر العرب على شرّ دين وفي شرّ دار، منيخون بين حجارةٍ خُشن وحيّاتٍ صُم، تشربون الكدر وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم…”14.
لقد قضى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) على كلّ هذه القيم الجاهليّة، ونقلهم إلى مصاف الأمم الراقية، فامتلكوا الحضارة والعلم، وسادوا الأمم…ثمّ ما لبثوا عن وقعوا في الذلّة والمهانة عندما تركوا دينهم وإرثهم ورسالة نبيّهم (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
ثالثًا: على المستوى الإنسانيّ:
حيث كانت شعوب الجزيرة العربيّة تعيش حالة الغربة ويغمرها الظلام فجاء محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ليكون كما قال الإمام علي (عليه السلام): “أضاءت به البلاد بعد الضلالة المظلمة والجهالة الغالبة والجفو الجافية”15.
وقال (عليه السلام): “ابتعثه بالنّور المضيء والبرهان الجليّ والمنهاج البادي والكتاب الهادي حتّى دخل النّاس في الإسلام أفواجًا أفواجًا”16.
وكما كانت تلك اللّحظات التي بعث الله تعالى فيها رسوله الكريم رحمةَ وهدايةً وخيرًا ونورًا…فلتكن كلّ اللّحظات التي بعدها وإلى الآن وحتّى قيام الساعة فرصة ثمينة للاستفادة من شعاع النور الذي أظلَّنا الله تعالى به ببركة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وآله المعصومين الأخيار.