في الخامس عشر من شهر شعبان نتحدث عن واقع التغيير العالمي الذي سيحدثه الإمام المهدي عجل الله فرجه وذلك تحت عنوان ( الإمام المهدي بين تغيير الواقع النفسي والواقع الخارجي) .
يقول الله المتعال : { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ} . التغيير تارة يكون نفسيا وأخرى يكون في الواقع الخارجي ، ونحن وظيفتنا في عصر الغيبة ممارسة التغيير النفسي والخارجي لأسباب عديدة منها أن هذا هو تكليفنا الإلهي الذي لم يسقط عنا ، ومنها لكي نحمل أوصاف أوساط المهدي عجل الله فرجه ، ومنها لكي نمهد للتغيير الكامل الذي سيضطلع به الإمام المهدي عجل الله فرجه.
لا يشك إثنان أن الإمام عجل الله فرجه سيغير العالم من واقع إلى واقع آخر، سيغير الواقع من الظلم الى العدل ، ومن الضلالة الى الهداية ، ومن الفقر الى الكفاية ، ومن الخوف الى الأمن وهكذا.
فالتغيير في الواقع الخارجي لاشك حاصل ، وهذا هو مقتضى بيانات الوحي أي القرآن والروايات ، من قبيل {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} و {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} و {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وغيرها .
ومن قبيل الروايات بلسان: { يملأ الدنيا قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً ) . والسؤال : هل التغيير في نفوسنا مرهون بظهور الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف ولا دخل لإرادتنا فيه إو إن التغيير رهن إرادتنا ووليد قناعاتنا الذاتية ؟؟
يعني هل تغيير حالتي الدينية من اللادين إلى الدين ، ومن اللاصلاة الى الصلاة ، ومن اللاصوم الى الصوم وتغييىر حالتي الدينية من كل عدم الى وجود مرهون بظهور المهدي عجل الله فرجه أم مرهون بإرادتي الذاتية الصادقة ؟؟! بالتأكيد بالإرادة الذاتية في ظل وجود الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه وتمهيدا لتغييره الشامل .
هذا بصدد التغيير في غير المتدين من لا متدين الى متدين ؟؟؟ وأما بالنسبة للمتدين فهل التغيير من العبادة الظاهرية الى العبادة الحقيقية مرهون بالمهدي عجل الله فرجه ام بارادته الذاتية ؟؟!! هل تغيير صلاتي من صلاة نقرية غرابية الى صلاة معراجية مرهون بالمهدي عجل الله فرجه ام بارادتي الذاتية ؟؟ وهكذا هل تغيير صيامي من صيام عن الطعام الى صيام عن الحرام مرهون بالمهدي عجل الله فرجه ام بارادتي ؟؟؟ وهكذا في تحويل سائر شؤوني الدينية من حال حسن الى احسن ؟؟؟!!
فمثلا هل تغيير حالي من عامل بالواجبات وتارك للمحرمات الى عامل بالمستحبات وتارك للمكروهات مرهون بظهور المهدي عجل الله فرجه ام بارادتي الذاتية ؟؟؟!!! الجواب بارادتي في ظل وجوده عجل الله فرجه وتمهيدا لظهوره المبارك .
واما تغيير الواقع الاخلاقي ، فهل تغيير حالتي من الكذب الى الصدق، ومن الغيية الى تركها ، ومن النميمة الى تركها ، ومن البهتان الى تركه ، ومن المراء الى تركه وووو .. الخ .هل هذا التغيير مرهون بظهور المهدي عجل الله فرجه ام انه رهن ارادتنا ؟؟!! بالطبع رهن ارادتنا في ظل وجوده المبارك وتمهيدا لظهوره .
وهكذا في مسالة تغيير واقعنا الجهادي والسياسي فانه مرهون بارداتنا ، فالانتقال من واقع القعود الى الجهاد ، ومن واقع فصل الدين عن السياسة الى واقع دمجهما ليس مرهونا بظهور المهدي عجل الله فرجه ، نعم هو عملية تمهيد لتغييره الشامل المرتقب وليس متعارضا معه . وبنفس المنطلق فإن تغيير واقعنا البيئي من القذارة الى النظافة ، ومن تلوث الهواء الى عدم ذلك ، ومن انبعاث الطاقة الى عدمها ، وغير ذلك ، كل ذلك واقع تحت ارادتنا !!! وهكذا في تغيير واقعنا الاجتماعي والاسري ، وواقعنا العلمي ، وواقعنا الفني والابداعي ، وواقعنا الحضاري بشكل عام فالمطلوب منا التغيير في نفوسنا وفي سلوكنا ، والامام عجل الله فرجه المطلوب منه تغيير الواقع الخارجي ، وببركة تغيير الواقع الخارجي يعمل عجل الله فرجه على تغيير النفوس ببرنامج تبليغي ناجح ؟؟!! ولكن قبل ذلك لا بد من وجود نفوس تغير واقعها .
فالإمام المهدي عجل الله فرجه يغير الواقع الخارجي من الظلم إلى العدل ومن الضلالة إلى الهداية، ومن الخوف إلى الأمن ، ولكن ببركة وجود نفوس عملت مسبقاً على تهذيب نفوسها وتزكيتها، وبعد ذلك عندما يصبح الجو جوا ايمانيا تقوائيا فإن النفوس تتطبع وفق هذا الطابع التغييري الذي احدثه الامام عجل الله فرجه.
إن نفوس أصحاب المهدي عجل الله فرجه لن تكون متصفة بالتدين وبالأخلاق الفاضلة وبالاستعداد للتضحية بصورة مفاجئة طارئة ، وانما هي متصفة بهكذا اوصاف وغيرها من خلال ممارسة تغييرية سابقة !! فالعاصي يمارس التغيير من العصيان للطاعة ببركة التوبة بصورة مسبقة !! وهكذا المؤمن يمارس التغيير من مؤمن عادي الى مؤمن ريادي !! أي بصورة مسبقة لا بشكل طارئ ولحظوي !! فالقادة الذين مع الامام عجل الله فرجه هم من الذين مارسوا وراكموا التغيير مسبقا ، وأما الذين يتوبون في عصر الظهور فإنهم يتوبون في أوقات المسار لا في لحظات المصير ، ولو فرضنا أنهم تابوا في لحظات المصير فإن قبول توبتهم ومقبولية أشخاصهم عموما يكشف عن وجود صفات وأفعال كامنة سابقاً أعطتهم أهلية القبول والمقبولية تماماً كما حصل مع الحر الرياحي في كربلاء.
بقلم الشيخ توفيق حسن علوية كاتب وباحث من لبنان