لا شكّ ولا شبهة في أنّ الولاية التكوينية ثابتة للرسول والأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، وعليه فلا استغراب في ردّ الشمس لأمير المؤمنين علي(عليه السلام) مرّتين، مرّة في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأُخرى بعد رجوعه(عليه السلام) من معركة النهروان.
ما يدلّ على ردّ الشمس مرّتين
۱ـ قال الإمام علي(عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى ردّ عليّ الشمس مرّتين، ولم يردّها على أحد من أُمّة محمّد(صلى الله عليه وآله) غيري»(1).
۲ـ قيل لابن عباس: ما تقول في علي بن أبي طالب؟
فقال: «ذكرت والله أحد الثقلين، سبق بالشهادتين، وصلّى القبلتين، وبايع البيعتين، وأُعطي السبطين، وهو أبو السبطين الحسن والحسين، ورُدّت عليه الشمس مرّتين، بعدما غابت عن القبلتين، وجرّد السيف تارتين، وهو صاحب الكرّتين، فمثله في الأُمّة مثل ذي القرنين، ذاك مولاي علي بن أبي طالب(عليه السلام)»(2).
۳ـ قال الشيخ المفيد(قدس سره): «وممّا أظهره الله تعالى من الأعلام الباهرة على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ما استفاضت به الأخبار، ورواه علماء السير والآثار، ونظمت فيه الشعراء الأشعار، رجوع الشمس له(عليه السلام) مرّتين: في حياة النبي(صلى الله عليه وآله) مرّة، وبعد وفاته أُخرى»(3).
ردّ الشمس في زمن النبي(صلى الله عليه وآله)
قال الإمام الصادق(عليه السلام): «صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) العصر، فجاء علي(عليه السلام) ولم يكن صلّاها، فأوحى الله إلى رسوله(صلى الله عليه وآله) عند ذلك، فوضع رأسه في حجر علي(عليه السلام)، فقام رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن حجره حين قام وقد غربت الشمس، فقال: يا علي، أما صلّيت العصر؟ فقال: لا يا رسول الله.
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): اللّهم إنّ عليّاً كان في طاعتك، فاردد عليه الشمس، فرُدّت عليه الشمس عند ذلك »(4).
وقالت أسماء بنت عُميس: «أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم وهو يريد أن يُصلّي العصر مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فوافق رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد انصرف، ونزل عليه الوحي، فأسنده إلى صدره، فلم يزل مسنده إلى صدره حتّى أفاق رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال: أصلّيت العصر يا علي؟
قال: جئت والوحي ينزل عليك، فلم أزل مسندك إلى صدري حتّى الساعة، فاستقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) القبلة ـ وقد غربت الشمس ـ وقال: اللّهم إنّ عليّاً كان في طاعتك فارددها عليه.
قالت أسماء: فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحى، حتّى كانت في موضعها وقت العصر، فقام علي متمكّناً فصلّى، فلمّا فرغ رجعت الشمس، ولها صرير كصرير الرحى، فلمّا غابت اختلط الظلام وبدت النجوم»(5).
وقال الإمام علي(عليه السلام) يوم الشورى: «أُنشدكم بالله، هل فيكم مَن رُدّت عليه الشمس غيري؟ حين نام رسول الله(صلى الله عليه وآله) وجعل رأسه في حجري حتّى غابت الشمس، فانتبه فقال: يا علي صلّيت العصر؟ قلت: اللّهم لا، فقال: اللّهم ارددها عليه، فإنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك»(6).
تاريخ الواقعة في زمن النبي(صلى الله عليه وآله)
17 شوال عام 7 أو 8 هجري، وقيل: 15 شوال(7).
ردّ الشمس في زمن خلافته(عليه السلام)
قال جويرية بن مسهر: «أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) من قتل الخوارج، حتّى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين(عليه السلام) ونزل الناس، فقال علي(عليه السلام): أيّها الناس، إنّ هذه أرض ملعونة قد عُذّبت في الدهر ثلاث مرّات، وهي إحدى المؤتفكات، وهي أوّل أرض عُبد فيها وثن، إنّه لا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ نبيّ أن يُصلّي فيها، فمَن أراد منكم أن يُصلّي فليصلّ، فمال الناس عن جنبي الطريق يُصلّون، وركب هو(عليه السلام) بغلة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومضى.
قال جويرية: فقلت والله لأتبعنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) ولأقلدنّه صلاتي اليوم، فمضيت خلفه، فوالله ما جزنا جسر سوراء حتّى غابت الشمس، فشككت، فالتفت إليّ وقال: يا جويرية أشككت!
فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل(عليه السلام) عن ناحية فتوضّأ ثمّ قام، فنطق بكلام لا أُحسنه إلّا كأنّه بالعبراني، ثمّ نادى: الصلاة، فنظرت والله إلى الشمس قد خرجت من بين جبلين لها صرير، فصلّى العصر وصلّيت معه، فلمّا فرغنا من صلاتنا عاد الليل كما كان، فالتفت إليّ وقال: يا جويرية بن مسهر، الله عزّ وجل يقول: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ)، وإنّي سألت الله عزّ وجل باسمه العظيم فردّ عليّ الشمس.
وروي أنّ جويرية لمّا رأى ذلك قال: أنت وصيّ نبيّ وربّ الكعبة»(8).
الصحابة وحديث ردّ الشمس
لقد روى عدد من الصحابة واقعة ردّ الشمس، نذكر منهم عشرة:
الإمام علي(عليه السلام)، الإمام الحسين(عليه السلام)، أسماء بنت عُميس، عبد الله بن عباس، أنس بن مالك، أبو رافع، أبو سعيد الخدري، جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو هريرة، أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة.
الشعراء وواقعة ردّ الشمس
لقد نظم عدد من الشعراء واقعة ردّ الشمس، نذكر منهم:
1ـ قال حسّان بن ثابت:
لا تُقبل التوبةُ من تائبٍ إلّا بحبِّ ابنِ أبي طالب
أخو رسولُ اللهِ بل صهرُهُ والصهرُ لا يُعدل بالصاحب
ومَن يكن مثلَ عليٍّ وقد رُدّت لَهُ الشمسُ من المغرب
رُدّت عليه الشمسُ في ضوئِها بيضاً كأنَّ الشمسُ لم تغرب(9).
2ـ قال السيّد الحميري(رحمه الله):
رُدّت عليه الشمسُ لمّا فاتَهُ وقتُ الصلاةِ وقد دنت للمغرب
حتّى تبلّج نورُها في وقتِها للعصرِ ثمَّ هوت هويَ الكوكب
وعليه قد رُدّت ببابل مرّةً * أُخرى وما رُدّت لخلقٍ معرب
إلّا ليوشع أو لَهُ من بعدِه ولردِّها تأويل أمر معجب(10).
3ـ قال قدامة السعدي:
ردَّ الوصيُّ لنا الشمسَ التي غربت حتّى قضينا صلاةَ العصرِ في مُهل
لا أنسَهُ حينَ يدعُوها فتتبعَهُ طوعاً بتلبيةِ هاها على عجل
فتلكَ آيتُهُ فينا وحجّتُهُ فهل لَهُ في جميعِ الناسِ من مثل
أقسمتُ لا أبتغي يوماً بهِ بدلاً وهل يكونُ لنورِ اللهِ من بدل
حسبي أبو حسن مولى أُدينُ بهِ ومَن به دانَ رسلُ الله في الأوّل(11).
4ـ قال العوني:
ولا تنسَ يومَ الشمسِ إذ رجعت لَهُ بمنتشرِ وادي من النورِ مُمتع
فذلكَ بالصهبا وقد رجعت لَهُ ببابلَ أيضاً رجعةَ المتطوّع(12).
5ـ قال ابن حمّاد:
ورُدّت لكَ الشمسُ في بابل فساميتَ يُوشع لمّا سمى
ويعقوب ما كانَ أسباطَهُ كنجليكَ سبطي نبيِّ الهدى(13).
6ـ قال السروجي:
والشمسُ لم تعدل بيومِ بابل ولا تعدّت أمره حينَ أمر
جاءت صلاةُ العصرِ والحربُ على ساقٍ فأومى نحوَها ردَّ النظر
فلم تزل واقفةً حتّى قضى صلاتُهُ ثمَّ هوت نحو المقر(14).
7ـ قال حبيب بن أوس:
فرُدّت علينا الشمسُ والليلُ راغم بشمسٍ لهم من جانبِ الخدرِ تطلع
نضا ضوُؤها صبغَ الدجنة وانطوى لبهجتِها نوّر السماء المرجع
فوالله ما أدري عليُّ بدا لنا فرُدّت لَهُ أم كانَ في القومِ يُوشع(15).
8ـ قال ابن أبي الحديد:
يا مَن لَهُ رُدّت ذكاء ولم يفز ** بنظيرِها من قبلُ إلّا يُوشع(16).
المؤلّفون وحديث ردّ الشمس
أفرد عدد كبير من الباحثين والمؤلّفين تصانيف مستقلّة عن الواقعة، حتّى تكوّنت من بين الآثار المكتوبة مجموعة فخمة، وإليك أسماء بعضهم:
أبو بكر الورّاق، أبو الحسن شاذان الفضيلي، الحافظ أبو الفتح محمّد بن الحسين الأزدي الموصلي، أبو القاسم الحاكم ابن الحذّاء الحسكاني النيسابوري الحنفي، أبو عبد الله الحسين بن علي البصري، أخطب خوارزم أبو المؤيّد موفّق بن أحمد، أبو علي الشريف محمّد بن أسعد الحسني النقيب النسّابة، الحافظ جلال الدين السيوطي، أبو عبد الله محمّد بن يوسف الدمشقي الصالحي، الحافظ الشهير ابن مردويه.
رواة حديث ردّ الشمس
لقد أخرج حديث ردّ الشمس عدد كبير من محدّثي أهل السنّة وعلمائهم، وعلاوة على روايته فقد صحّح طرقه وأسانيده جمع من هؤلاء.
وإليك أسماء بعض مَن ذكرهم العلّامة الأميني، ممّن أخرج الحديث من الحفّاظ والأعلام دون غمز فيه: الحافظ أبو بشر الدولابي، الحافظ أبو جعفر الطحاوي، الحافظ أبو جعفر العقيلي، الحافظ أبو القاسم الطبراني، الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، الحافظ ابن مردويه الإصفهاني، أبو إسحاق الثعلبي، الفقيه أبو الحسن الماوردي، الحافظ أبو بكر البيهقي، الحافظ الخطيب البغدادي، الحافظ أبو زكريا بن مندة، الحافظ ابن حجر الهيثمي، نور الدين الحلبي، الحافظ أبو الحسن عثمان بن أبي شيبة، والحافظ القاضي عياض.
تصحيح الحديث وتأييده
أشرنا آنفاً إلى أنّ جمعاً غفيراً من أعلام أهل السنّة ومحدّثيهم عمدوا ـ إضافة إلى نقل الواقعة ـ إلى تصحيح الحديث وتصويبه.
وفي المقابل انتهى بعضهم إلى الطعن بها من خلال التشكيك بالحديث، والآن نذكر آراء بعض المحدّثين في تصحيح حديث ردّ الشمس:
1ـ أبو جعفر أحمد بن صالح الطبري المصري ـ من محدّثي القرن الثالث الهجري، ومن مشايخ البخاري ـ قال ـ بعد أن نقل حديث أسماء بنت عميس بطريقين صحيحين ـ ما نصّه: لا ينبغي لمَن كان سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء، الذي روي لنا عنه(صلى الله عليه وآله)؛ لأنّه من أجلّ علامات النبوّة.
2ـ أبو جعفر أحمد بن محمّد الطحاوي: أخرج حديث أسماء بطريقين، ثمّ راح يُدافع عن الحديث، حيث أورد شبهة تُعارضه مع رواية: «لم تُحبس الشمس على أحد إلّا ليُوشع»، وأجاب عنها لينتهي في آخر المطاف إلى القول: وكلّ هذه الأحاديث من علامات النبوّة.
3ـ الحافظ ابن حجر العسقلاني: كتب في مصنّفه المشهور فتح الباري بشرح صحيح البخاري: وروى الطحاوي والطبراني في الكبير، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، عن أسماء بنت عُميس أنّه(صلى الله عليه وآله) دعا لمّا نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر، فرُدّت الشمس حتّى صلّى علي ثمّ غربت.
وهذا أبلغ في المعجزة، وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في الموضوعات، وهكذا ابن تيمية في كتاب الردّ على الروافض، في زعم وضعه.
4ـ الحافظ السيوطي: وقد روى الحديث في عدد من كتبه المختلفة، ثمّ بادر إلى تصحيحه، كما ذكره أيضاً في كتابه الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، الذي روى فيه الأحاديث المشهورة، ثمّ انتهى للقول: أخرجه ابن مندة وابن شاهين من حديث أسماء بنت عُميس، وابن مردويه من حديث أبي هريرة، وإسنادهما حسن، وممّن صحّحه الطحاوي والقاضي عياض.
5ـ الحافظ ابن حجر الهيثمي: كتب في كتاب الصواعق المحرقة ضمن تعداده لكرامات المولى أمير المؤمنين(ع) ما نصّه: ومن كراماته الباهرة أنّ الشمس رُدّت عليه لمّا كان رأس النبي في حجره… وحديث ردّها صحّحه الطحاوي والقاضي في الشفاء، وحسّنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره، وردّوا على جمعٍ قالوا: إنّه موضوع(17).
إشكالات وأجوبتها
أثار أعداء الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) إشكالات لهذه الفضيلة، نذكر بعض تلك الإشكالات وأجوبتها:
1ـ ضعف السند:
هذا إشكال لا يُفضي إلى شيء؛ فمن جهة صحّح جمّ كثير من علماء أهل السنّة ومحدّثيهم ـ كما مرّ ـ طرق الحديث، ولم يعبأ هؤلاء بمَن ذهب إلى تضعيف الحديث وتوهين طرقه، بل زادوا أحياناً على ذلك بأن شدّدوا النكير على مَن ضعّف حديثاً صحيحاً مثل هذا.
ومن جهة أُخرى، وعلى فرض التسليم بضعف تمام طرق الحديث وأسانيده، فإنّ نقوله بلغت من الاستفاضة ما يكفي لحصول الاطمئنان بوقوع أصل الحادثة، حتّى مع فرض ضعف السند، وهذا القدر يكفي لإثبات المطلوب، وإن كان قاصراً عن إثبات التفاصيل.
2ـ تعارضه مع حديث «لم تُحبس الشمس على أحد إلّا ليوشع».
والجواب: إنّ الحديث يُفيد أنّ هذه الواقعة لم تحصل في الأُمم السابقة إلّا ليوشع، لكن ليس له دلالة قطّ على عدم وقوع ذلك في المستقبل.
3ـ فضيلة نبوية وليست علوية:
يبدو أنّ أُولئك الذين يلوكون هذه الكلمات أو يُسطّرونها بأقلامهم لم يتأمّلوا لا بالواقعة ولا بنصوص النقول والروايات! فالنبي(صلى الله عليه وآله) يذكر في دعائه عليّاً(عليه السلام)، ويطلب أن تعود له الشمس كي يُؤدّي صلاته، فهي إذاً فضيلة نبوية؛ لأنّها تمّت بطلبه ودعائه، وهي علوية؛ لأنّ ردّ الشمس تحقّق للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام).
4ـ فقدان فائدة ردّ الشمس:
قالوا: إنّ الصلاة صارت قضاء عند غروب الشمس وفوات وقتها، فما الفائدة من ردّها والصلاة لن تصير أداء عندئذٍ؟
ذكر ابن حجر الهيثمي هذا الإشكال، ثمّ أوضح في جوابه: كما أنّ ردّ الشمس خصوصية لعلي(عليه السلام)، كذلك إدراك العصر الآن ـ أي بعد ردّ الشمس ـ أداء خصوصية له وكرامة.
والمحصّل أنّه لمّا كان أصل الواقعة ثابتاً بنقول صحيحة، فلا يعد ثمّ مجال لمثل هذه الإشكالات، ولا ريب أنّ الحادثة بأساسها غير عادية ولها خصوصية؛ ومن ثمّ كذا تكون ملابساتها ومعطياتها.
5ـ التغيّر في نظام الوجود:
طروء التغيّر على نظام الأفلاك، هو لازمة الإيمان بهذه الواقعة، وهذا ممّا لا يمكن القبول به.
إنّ الحادثة قد تكون أحياناً فوق أن تنتظمها الأُطر التحليلية العقلانية العادية، ومن ثمّ يكفي في إثبات هذه الحوادث عدم استحالتها وتعارضها مع النصوص الثابتة.
وممّا لا ريب فيه أنّ وقوع مثل هذه الحادثة ـ التي كان لها مثال قطعي في التاريخ ـ هو ليس محالاً عقلاً حتّى تُعدّ خارج دائرة القدرة الإلهية(18).