نشأ الإمام الرضا عليه السلام في بيت من أجلِّ البيوت وأرفعها في الإسلام، إنه بيت الإمامة، ومركز الوحي ذلك البيت الذي إذن الله أن يرفع، ويذكر فيه اسمه في هذا البيت العريق ترعرع الإمام الرضا ونشأ وقد سادت فيه أرقى وأسمى ألوان التربية الإسلامية الرفيعة، فكان الصغير يحترم ويبجل الكبير، والكبير يعطف على الصغير، كما سادت فيه الآداب الرفيعة، والأخلاق الكريمة ولا تسمع فيه إلا تلاوة كتاب الله، والحث على العمل الصالح وما يقرب الإنسان من ربه.
وقد أكد علماء التربية على أن البيت من أهم العوامل في تكوين الشخص، وبناء سلوكه، فان كان البيت تسوده المحبة والإلفة، والعادات الرفيعة والتقاليد الحسنة، ويجتنب فيه هجر الكلام ومره، فإن الطفل ينشأ نشأة سليمة وبعيدة عن التعقيد، وازدواج الشخصية، وإن كان البيت مصاباً بالانحراف والشذوذ، وتنتشر فيه البغضاء والكراهية، فإن الطفل حتماً يمنى بالتعقيد، والجنوح، والانحراف. أما البيت الذي نشأ فيه الرضا عليه السلام فهو من أعز البيوت وأمنعها في دنيا الإسلام، فقد كان مركزا من مراكز الفضيلة، ومنبعا للأخلاق الكريمة، وقد انجب خيرة البشر وأئمة الحق والعدل في الإسلام ويضاف إلى البيت في تكوين الشخص البيئة التي نشأ فيها الشخص، وكانت البيئة التي عاش فيها الإمام الرضا
ليه السلام تضم خيرة الرجال، وخيرة العلماء الذين ينتهلون من غير علوم أبيه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.
إن جميع عوامل التربية الرفيعة، ومكوناتها الفكرية توفرت للإمام أرضا عليه السلام، فنشأ في إطارها كما نشأ آباؤه العظام الذين هم من ذخائر الإسلام. سلوكه: أما سلوك الإمام الرضا عليه السلام فقد كان أنموذجاً رائعا لسلوك آبائه الذين عرفوا بنكران الذات، والتجرد عن كل نزعة لا تمت إلى الحق والواقع بصلة. لقد تميز سلوك الإمام الرضا عليه السلام بالصلابة للحق، ومناهضة الباطل، فقد كان يأمر المأمون العباسي بتقوى الله تعالى، وينعي عليه تصرفاته التي لا تتفق مع واقع الدين، وقد ورم أنف المأمون من ذلك وضاق منه ذرعا فقدم على اقتراف افظع جريمة وهي اغتيال الإمام عليه السلام كما سنوضح ذلك في غضون هذا الكتاب. وكان سلوكه مع أهل بيته وإخوانه مثالا آخر للصرامة في الحق، فمن شذ منهم في تصرفاته عن أحكام الله تعالى جافاه وابتعد عنه، وقد حلف أن لا يكلم أخاه زيدا حتى يلقى الله تعالى حينما اقترف ما خالف شريعة الله.
أما سلوكه مع أبنائه فقد تميز بأروع ألوان التربية الإسلامية خصوصا مع ولده الإمام الجواد عليه السلام، فكان لا يذكره باسمه، وإنما كان يكنيه، يقول: كتب إلي جعفر، كنت كتبت إلى أبي جعفر كل ذلك لتنمية روح العزة والكرامة في نفسه