كثير من المؤمنين والخيرين يساعدون الفقراء، وكثير من المؤسسات الخيرية توفر المساعدات المادية لهذه العوائل، ولكن أكثر هذه المساعدات إذا لم تكن كلها تتم من دون زيارة الفقير والجلوس معه.
فإما أن ترسل المساعدة إلى البيت بظرف خاص، أو يأتي الفقير في موعد محدد ومكان محدد شهرياً لاستلامها، أما أن تتم زيارة الفقير إلى منزله والجلوس معه والتحدث إليه والتخفيف عنه، فهذا غير موجود تقريباً.
نعم، بعض المؤسسات تزور الفقراء للتأكد من احتياجهم الفعلي والإطلاع على مقدار حاجتهم ولكن ليس هذا ما نتحدث عنه، نحن نتحدث عن زيارة الفقير والجلوس معه كإنسان طبيعي لا كإنسان فقير، وهذا ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يفعله.
إذ مع أنه كان رئيساً لبلاد مترامية الأطراف وفيها العشرات من الولايات، لم يكن يكلف مؤسسة أو شخصاً آخر بذلك، بل كان يذهب إلى الفقير بنفسه، وكان يحرص أن يذهب وحده دون حاشية الدولة ودون صفته الرسمية كرئيس دولة.
كل ذلك كي يتعامل مع هذا الفقير معاملة طبيعية، يجلس ويتحدث ويناقش ويسأل، فالفقير إنسان حاله حال غيره، لديه أفكار وقناعات وملتزم بالعبادات ولديه تحصيل علمي وشهادة تخرج، وقد يكون أفضل من غيره، فالكثير من العوائل الفقيرة فيها أشخاص جيدون على كل المستويات، وبعض أولادهم متفوقون دراسياً أو دينياً أو اجتماعياً.
الفقير إنسان مثلي ومثلك، لديه شخصية كما لدينا شخصية، ولديه كرامة كما لدينا، ونقص المال لا يعني نقص الشخصية كما هو التصور العام للأسف الشديد،
إذ إن اغلبنا ينظر للفقير بنظرة المسكنة و(الخطية) والضعة، حتى أن البعض يسميه فلان الفقير، جاء الفقير، هذا بيت بيت الفقير!، وكأن الفقير ليس لديه شخصية ولا حياة ومشاغل وعائلة بكل ما تحمله من تربية ومتابعة ومعيشة.
علينا أن لا ننظر للفقير على أنه شخص بحاجة إلى المال وفقط، وكأن كل شخصيته مختزلة في هذا الجانب، علينا أن نتعلم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كيف نتعامل معه كإنسان طبيعي مثلي ومثلك، نصادقه، نناقشه، نعطيه فرصة الأخذ والرد والبوح بما يحمله، كي لا نقتل شخصيته وإنسانيته.
الشيخ كامل الباهلي
ليلة عيد الغدير ١٤٤١