– في موعظة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابن مسعود: عن عبد الله بن مسعود قال: دخلت أنا وخمسة رهط من أصحابنا يوما على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أصابتنا مجاعة شديدة ولم يكن رزقنا منذ أربعة أشهر إلا الماء واللبن وورق الشجر، فقلنا: يا رسول الله إلى متى نحن على هذه المجاعة الشديدة؟:
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا تزالون فيها ما عشتم فأحدثوا لله شكرا، فإني قرأت كتاب الله الذي أُنزِل عليَّ وعلى من كان قبلي فما وجدت من يدخلون الجنة إلا الصابرون.
يا ابن مسعود: قال الله تعالى:﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾،﴿أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُو﴾، ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.
يا ابن مسعود: قال الله تعالى:﴿ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرً﴾،﴿أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُو﴾، يقول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء﴾،﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾. قلنا: يا رسول الله فمن الصابرون؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم):الذين يصبرون على طاعة الله واجتنبوا معصيته الذين كسبوا طيبا وأنفقوا قصدا وقدموا فضلا فأفلحوا وأصلحوا.
يا ابن مسعود: عليهم الخشوع والوقار والسكينة والتفكر واللين والعدل والتعليم والاعتبار والتدبير والتقوى والإحسان والتحرّج والحب في الله والبغض في الله وأداء الأمانة والعدل في الحكمة. وإقامة الشهادة ومعاونة أهل الحق [على المسيء] والعفو عمن ظلم.
يا ابن مسعود: إذا ابتلوا صبروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا قالوا صدقوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامً﴾، ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامً﴾، ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾. ويقولون للناس حسنا.
يا ابن مسعود: والذي بعثني بالحق إن هؤلاء هم الفائزون.
يا ابن مسعود: فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فإن النور إذا وقع في القلب انشرح وانفسح، فقيل: يا رسول الله فهل لذلك من علامة؟ فقال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله فمن زهد في الدنيا قصر أمله فيها وتركها لأهلها.
يا ابن مسعود: قول الله تعالى:﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾ يعني أيكم أزهد في الدنيا إنها دار الغرور ودار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له. إن أحمق الناس من طلب الدنيا، قال الله تعالى:﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾.