نشأة الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
نشأ في بيت عابق بالروحانية والنورانية، وفي ذلك البيت نما هذا المولود المبارك، وترعرع في حجر والده الأقدس الأطهر، يشم نسيم الإمامة، وتغمر قلبه أنوار الولاية، ارتضع من أم هي أطهر الأمهات في ذلك العصر، فكان ذروة العظمة في علمه وحكمته وزهده.
وامتاز على أبناء زمانه بفضائله، فأصبح مناراً، وعلَماً، ومرجعاً، وملجأ يلوذ به كل مضطر وكل طالب حاجة.
النص عليه عليه السلام: لقد دلَّت النصوص على إمامته، وحيث اعتمدنا الإختصار نورد حديثاً واحداً.
جاء عن الصدوق بسنده عن الصقر بن دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام ، يقول: إن الإمام بعدي ابني عليّ أمره أمري وقوله قولي، طاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن.
معاناة الإمام عليه السلام: لقد عانى الإمام العسكري عليه السلام، مع أبيه الهادي الكثير، وقضى معظم حياته، في ظل عاصمة الدولة العباسية، وواكب الأحداث، وجميع الظروف والملابسات، والمواقف التي واجهت أباه، وقد تسلم منصب الإمامة بعد استشهاد أبيه، وعمره الشريف آنذاك إثنان وعشرون عاماً.
مسيرة الإمام عليه السلام وظروف عصره: كان الإمام عليه السلام إمتداداً لدور الإمام الهادي، وإكمالاً لمواقفه بوصفه المرجع الفكري، والروحي لجميع المسلمين المتعطشين للعلم والثقافة، ومعبئاً لأصحابه وأصحاب أبيه، وراعياً لمصالحهم الإجتماعية وكل ما يحتاجونه، إضافة إلى التخطيط والتمهيد، لغيبة ولده الحجة ابن الحسن عليه السلام ، لعلمه المسبق بعدم إمكان إظهار أمره ولزوم وجوب ستر خبره عن الناس أجمـع، إلا من اختارهم سبحانه حفظةً لسره.
أدوار الإمام عليه السلام: يمكن إستخلاص دور الإمام في مواجهة الأحداث كالتالي:
الدور الأول: بما أن الحكام حرصوا على دمج الإمامة والأئمة في الجهاز الحاكم، نرى الإمام وبعقله الكامل يقف من هذه الأحداث، موقفاً لا هو سلبي كي لا يلفت النظر إليه، ولا بالإيجابي كي لا يوقع أصحابه ومؤيديه بالغرر.
ولكن أظهر للناس عدم الرضا بكل الأحداث التي كانت تصدر من الحكومة الظالمة اتجاه الثورات، كما فعل مع صاحب ثورة الزنج، الذي زعم الإنتساب إلى الإمام، وفي واقعه لم تكن ثورته تجسيداً لأطروحة أهل البيت عليهم السلام، لما ارتكبته من قتل، وسلب، وتدمير، وإحراق للبيوت والمدن، وسبي للنساء، بل سكت كي لا يسجّل رضاً للحكومة، أو رضاً بمسلكية الإنحراف في تلك الثورة. وأسلوبه هذا أكسبه أمام الحكّام إحتراماً ومنزلة رفيعة، وعند الناس منزلةً مرموقة لحكمته.
الدور الثاني: مواجهة شبهات المنحرفين، وعقائدهم المضللة، ومن هنا جاء موقف الإمام العسكري عليه السلام، وهو في المدينة من مشروع كتاب يضعه الكندي “أبو يوسف يعقوب بن إسحاق”، الفيلسوف العراقي حول متناقضات القرآن، إذ اتصل به عن طريق أحد تلامذته والمنتسبين إليه، وأحبط الإمام المحاولة، وأقنع مدرسة الكندي، بأنها على خطأ، وجعله يتوب ويحرق أوراقه.
الدور الثالث: أما على صعيد القاعدة الشعبية، والحفاظ عليها وتنمية وعيها، فقد قام بمدها بكل أساليب الصمود والتحمل، فتارةً ينبههم من الوقوع في الشرك العباسي، وأخرى يُحذّر محمد بن السّمري ويلزمه بالصمت والكف عن النشاط، والتكتم ريثما تعود الأمور إلى مجاريها، ويستتب الأمر، وتارةً ثالثة يحذّر أصحابه، وهم رهن الإعتقال في السجون، كما جاء في الخبر: اعتقل عدد من أصحابه عليه السلام، ووضعوا تحت إشراف صالح بن وصيف، وهم: أبو هاشم الجعفري، داود بن القاسم، والحسن بن محمد العقيقي، ومحمد بن ابراهيم العمري، وغيرهم، فأخبرهم الإمام أن يحذروا واحداً في الحبس يدّعي أنه علوي، وهو ليس منهم.
الدور الرابع: التمهيد للغيبة: حينما يعلم الإمام إحتياج الأمة إلى مصلح، وإمام عدل وهادٍ، ويدرك كنه الإرادة الإلهية لغياب الحجة إلى حين وقته، يعرف أن عليه مسؤولية التمهيد لذلك، لأن البشر اعتادوا الإدراك والمعرفة الحسية، ومن الصعب التجاوز إلى تفكير أوسع إلا بمعونة. والمجتمع منحرفٌ، والأواصر الاجتماعية مفككةٌ، والمستوى الفكري والروحي متدني، وبالتالي يحتاج إلى منقذ، والمصلحة والإرادة الإلهية متعلقة بالغيبة.
إذن: لا بد من تمهيد لهذه الغيبة رغم الإرهاصات المسبقة، والنصوص المتواترة التي جاءت تبشر بالمهدي عند الخاصة والعامة حتى أصبحت فكرة المهدي مستقرة في أذهان الأمة أجمع، وتأصلت في نفوس المسلمين بشكل عام.
إتجه الإمام تمهيداً لغيبة ولده إلى عملين ممهدين:
1ـ قام بحجب الإمام عن أعين الناس، ومن ثم قام بإظهاره عليه السلام لبعض الخاصة فقط.
2ـ شن حملة توعية لفكرة الغيبة، وتعويد الناس على متطلباتها.