انطباعات عن شخصية الإمام الصادق (ع):
أشاد الإمام الباقر (ع) أمام أعلام شيعته بفضل ولده الصادق (ع) قائلاً: هذا خير البريّة.
وأفصح عمّه الشهيد زيد ابن الإمام عليّ زين العابدين (رضي الله عنه) عن عظيم شأنه فقال: «في كلِّ زمان رجلٌ منّا أهل البيت يحتج الله به على خلقه وحجة زماننا ابن أخي جعفر لا يضلّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه».
وقال مالك بن أنس: «ما رأت عينٌ ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادةً وورعاً».
وقال المنصور الدوانيقي مؤبّناً الإمام الصادق (ع): «إنّ جعفر بن محمّد كان ممّن قال الله فيه: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)، وكان ممن اصطفى الله وكان من السابقين بالخيرات».
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت 327 هـ ): سمعت أبي يقول: جعفر بن محمّد ثقة لا يُسألُ عن مثله.
وقال: سمعت أبا زرعة وسئل عن جعفر بن محمّد عن أبيه وسهيل بن أبي صالح عن أبيه والعلاء عن أبيه أيّما أصحُّ؟ قال: لا يُقرنُ جعفر بن محمّد إلى هؤلاء.
وقال أبو حاتم محمّد بن حيّان ( ت 354 هـ ) عنه: كان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( 325 ـ 412 هـ ) عنه: فاق جميع أقرانه من أهل البيت (ع) وهو ذو علم غزير وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات وأدب كامل في الحكمة.
وعن صاحب حلية الأولياء ( ت 430 هـ ): ومنهم الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع.
وأضاف الشهرستاني ( 479 ـ 548 هـ ) على ما قاله السلمي عنه: وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ثمَّ دخل العراق وأقام بها مدَّة، ما تعرّض للإمامة قط، ولا نازع في الخلافة أحداً، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطٍّ.
وذكر الخوارزمي (ت 568 هـ) في مناقب أبي حنيفة أنَّه قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمَّد، وقال: لولا السنتان لهلك النعمان. مشيراً إلى السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام جعفر الصادق
وقال محمّد بن طلحة الشافعي ( ت 652 هـ ) عنه: هو من عظماء أهل البيت ((عليهم السلام)) وساداتهم ذو علوم جمّة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجايبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا، والإقتداء بهديه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنه من ذريّة الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمة وأعلامهم .. وعدّوا أخذهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها وفضيلةً اكتسبوها.
وأما مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدّ الحاصر ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتَّى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى، صارت الأحكام التي لا تدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها، تضاف إليه وتروى عنه.
وقد قيل أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه (ع) وأنّ في هذه لمنقبةً سنيّةً، ودرجةً في مقام الفضائل عليّةً، وهي نبذةٌ يسيرةٌ مما نُقِلَ عنه
وفي تهذيب الأسماء ( 631 ـ 676 هـ ) عن عمرو بن أبي المقدام قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أ نَّه من سلالة النبيين.
وقال ابن خلكان ( 608 ـ 681 هـ ): جعفر الصادق … أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية وكان من سادات أهل البيت، ولُقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر وله كلامٌ في صنعة الكيميا، والزجر والفال … ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه عليّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن عليّ(رضي الله عنهم أجمعين) فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه.
وقال البخاري في فصل الخطاب ( 756 ـ 822 هـ ): اتّفَقوا على جلالة الصادق (ع) وسيادته.
وقال ابن الصبّاغ المالكي (784 ـ 855 هـ ) : نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم يُنقل من العلماء عن أحد من أهل بيته ما نُقل عنه من الحديث.
وروى عنه جماعةٌ من أعيان الاُمة.. وصّى إليه أبو جعفر(ع) بالإمامة وغيرها وصيّةً ظاهرةً، ونصّ عليها نصّاً جليّاً.
من مظاهر شخصية الإمام الصادق (ع)
سعة علمه :
لقد شقَّق الإمام الصادق (ع) العلوم بفكره الثاقب وبصره الدقيق، حتَّى ملأ الدنيا بعلومه، وهو القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحدٌ بعدي بمثل حديثي»، ولم يقلْ أحدٌ هذه الكلمة سوى جده الإمام أمير المؤمنين (ع).
وأدلى (ع) بحديث أعرب فيه عن سعة علومه فقال: «والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان، وخبر ما هو كائن، قال الله عزَّ وجلَّ: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَـبَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء)
وقد كان من مظاهر سعة علمه أنه قد ارتوى من بحر علومه أربعة آلاف طالب وقد أشاعوا العلم والثقافة في جميع الحواضر الإسلامية ونشروا معالم الدين وأحكام الشريعة
كرمه وجوده :
لقد كان الإمام الصادق (ع)، من أندى الناس كفاً، وكان يجود بما عنده لإنعاش الفقراء والمحرومين، وقد نقل الرواة بوادر كثيرةً من كرمه، كان من بينها ما يلي:
1 ـ دخل عليه أشجع السلمي فوجده عليلا، وبادر أشجع فسأل عن سبب علته، فقال (ع): تعدّ عن العلة، واذكر ما جئت له فقال:
أَلبسك الله منه عافيةً *** في نومِكَ المعتري وفي أرقكْ.
يُخرْج من جسمِكَ السقامَ *** كما أخرج ذلَّ السؤالِ من عنقك.
وعرف الإمام حاجته فقال لغلامه: أي شيء معك؟ فقال: أربعمائة، فأمره بإعطائها له.
2 ـ ودخل عليه المفضل بن رمانة وكان من ثقاة أصحابه ورواته فشكا إليه ضعف حاله، وسأله الدعاء، فقال (ع) لجاريته: «هاتِ الكيس الذي وصلنا به أبو جعفر، فجاءته به، فقال له: هذا كيس فيه أربعمائة دينار فاستعن به، فقال المفضل: لا والله جُعلت فداك ما أردت هذا، ولكن أردت الدعاء، فقال(ع): لا أَدَعُ الدعاء لك».
3 ـ سأله فقيرٌ فأعطاه أربعمائة درهم، فأخذها الفقير، وذهب شاكراً، فقال (ع) لخادمه: ارجعه، فقال الخادم: سئلت فأعطيت، فماذا بعد العطاء؟ قال (ع): قال رسول الله ((صلى الله عليه وآله)): «خير الصدقة ما أبقت غنى»، وإنّا لم نغنه، فخذ هذا الخاتم فاعطه فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم، فإذا احتاج فليبعه بهذه القيمة».
4 ـ ومن بوادر جوده وسخائه وحبه للبرّ والمعروف أنه كانت له ضيعةٌ قرب المدينة تسمى (عين زياد)، فيها نخلٌ كثيرٌ، فإذا نضج التمر أمر الوكلاء أن يثلموا في حيطانها الثلم، ليدخل الناس ويأكلوا من التمر.
وكان يأمر لجيران الضيعة الذين لا يقدرون على المجي كالشيخ والعجوز والمريض لكل واحد منهم بمدٍّ من التمر، وما بقي منهم يأمر بحمله إلى المدينة فيفرّق أكثره على الضعفاء والمستحقين، وكانت قيمة التمر الذي تنتجه الضيعة أربعة آلاف دينار، فكان ينفق ثلاثة آلاف منها، ويبقى له ألف.
5 ـ ومن بوادر كرمه أنه كان يطعم ويكسو حتَّى لم يبق لعياله شيء من كسوة أو طعام.