نظرة الطفل لنفسه تعني تقييماً لقدراته وما يمتلكه من مهارات تفكيرية ولفظية واجتماعية وغيرها، ومتى ما ارتكزت تلك النظرة على نحو إيجابي فإنه يعني نظرة الأمل والتفاؤل والثقة بالنفس لتحقيق الطموحات وتجاوز العثرات والعقبات، وأما إن كانت نظرته سلبية فهذا يعني ضموراً في قدراته ويأساً من التقدم والنمو على مختلف الجوانب في شخصيته.
وبلا شك أن محيط الطفل وحواضنه المنزلية والتعليمية والاجتماعية تؤثر على نظرته لنفسه من خلال التعامل معه، فإذا لقي التشجيع وكلمات الثناء والأجواء المناسبة لبلورة وازدهار قدراته استطاع أن يتقدم بخطى واثقة نحو النجاح والإنجاز، والأسرة تلعب دوراً مهماً في نظرته الإيجابية لنفسه والوقوف معه عند المحطات المختلفة في حياته ودراسته وتكوين علاقاته، كما أن مواجهته لإخفاق أو مشكلة مؤرقة تؤثر على ثقته بنفسه إذ تعد كمحطة اختبار حقيقية ومهمة له، فإعادة شحن معنوياته وتوازنه الفكري والوجداني يسانده للنهوض مجدداً وإعادة المحاولة في نفس المسار أو الاتجاه نحو طريق آخر، فإن مواجهة المشاكل والبحث عن حلول لها يكون جانب القوة في عقله والهدوء في نفسه والصبر كسلوك مستدام عنده.
حب النفس الإيجابي عند الطفل لا ينشأ من أوهام وتقييمات خاطئة، بل هو تسليط الضوء على طريقة تفكيره وتركيزه الذهني واهتمامه بالتعليم وطريقة تعامله مع أقرانه وأفراد أسرته، ومن هنا تكون لكل موقف وحوار علامة وتقييم ينبغي الثناء على الإيجابي منه وتوجيهه للنواقص والأخطاء، فتلك المتابعة الأسرية تشكل أكبر داعم يسهم في تنمية شخصيته.
ومن الأفكار السلبية التي يمكن لها أن تتسلل لتفكيره هي مسألة القيمة والتقدير لوجوده، وخصوصاً إذا كان يعاني من ضغوط أسرية واجتماعية تتهمه بالكسل وعدم القدرة على إنجاز الكثير من واجباته.
ينبغي على الأسرة أن تبلور فكرة الوجود المؤثر والفاعل في شخصية الطفل قبل أن ينطلق في ميدان الدراسة وتكوين العلاقات مع أقرانه، فالتشجيع المستمر عند إسناد بعض المهام البيتية له والاستماع لحديثه يشعره بقيمته الوجودية ويفكر في تحقيق ما يعلي شأنه.
والتذمر من المعاناة والمشاكل التي تواجهه في المدرسة وخارج محيطها يحكي عن عدم توافق مع محيطه وظروفه، مما سيؤثر عليه مستقبلاً في النظرة السلبية تجاه العثرات التي تصادفه في كل خطواته، ويستطيع الوالدان تقديم المساندة له بتوضيح حقيقة الأهداف التي نعمل من أجل نيلها وما يصادفه كل واحد من عقبات وصعوبات في طريق الإنجاز، وعليه أن يعمل جاهداً على تذليلها وتجاوزها مع مساعدته على التفكير والبحث عن الحلول.
ومما يشكل حاجزاً عن تكوين قناعته بشخصيته وقدراته هو عقد المقارنات مع إخوانه وأقرانه وإظهار خيبة الأمل به، فذلك قد يكون قناعة سلبية عنده عن نفسه مما يضعف همته في التغيير الإيجابي والعمل الجاد، فلنتقبل شخصه ومستوى قدراته ونعمل جاهدين على رفع مستواها بما لا يثقل عليه.
والنظر إلى السعادة غير مرتبط أبداً بمستوى معين من الذكاء والطاقات والبيئة المشجعة، إذ النجاح يبتدئ من الرضا عن النفس الإيجابي والتصالح معها، مع همة عالية لتفعيل وتنشيط الملكات والقدرات في ميادين التحدي والإنجاز للانتقال من مرحلة إلى أخرى، وأما الظروف والعراقيل التي تكتنف طريق العمل الحثيث فهي لا تعني أكثر من مواجهة مع قدراته عليه أن يثبت ويتحمل ويبحث عن حلول ومخارج يتخطى من خلالها هذه العثرات.
وأما تلك الأفكار السوداوية عن المستقبل أو المقارنات المحبطة مع الآخرين أو انكسار الإرادة من أول إخفاق، عليه أن يدرك أنها ليست سوى أعذار واهية وطرق تعامل خاطئة مع التحديات.
بقلم: فاضل آل درويش