إن مواقف الإنسان وأدواره تكشف تفاصيل شخصيته وملامحها وإطارها، ولهذا عبر أمير المؤمنين (ع) عن ذلك فقال: «قيمة كل إمرئ ما يحسنه»، أي ما يقدمه للإنسانية من عطاء، أي قدر الإنسان على قدر إيجابيته وعطاءه.
ومن أهم مفاصل الشخصية الإيجاببة التي تترك أثرها وبصماتها، ليس فقط على واقعها وزمانها بل على واقع الإنسانية جمعاء في إطارها الإنساني عموماً والإيماني خصوصاً هي مسألة البصيرة.
فالبصيرة في الواقع هي حالة الفطنة والتنبه وقوة الإدراك والوضوح والرؤية الثاقبة والقراءة العميقة، وكما نعبر: قراءة ما بين السطور، وهي نتيجة حتمية لليقين والاعتقاد الراسخ في القلب، وهي حالة الوضوح لدى الإنسان في ما ينبغي عليه فعله، والوضوح في تشخيص وتقدير الموقف، ومن مناشئ ذلك:
-الإلهام الفطري الممنوح للنفس الإنسانية من قبل الله عز وجل ابتداءً والذي يوقفنا عليه قوله سبحانه: {ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها}، فاهتداء النفس إلى أصل طريق الحق وطريق الباطل، ومعرفتها بذلك هو إلهام فطري منّ الله به عليها، والإنسان محاسب على هذه المنّة والنعمة الإلهية الكبيرة، وإضافة لذلك هناك:
-الإفاضة المستجدة من الله سبحانه وتعالى لمزيد من البصيرة والهداية رحمة بمن أطاعه، وثمرة طيبة للاستجابة إلى المنهج الحق في التربية، والأخذ بتعاليم الدين.
عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أراد الله بعبد خيراً زهّده في الدنيا، وفقّهه في الدين، وبصّره عيوبها، ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة.
وحياة عقيلة الطالبين السيدة زينب عليها السلام كان مصداقاً لأصحاب البصائر في إطار عبودية الله، فسلوكها ينم عن ذلك ويثبته، في جميع أدوارها سواءً في الدوائر الصغيرة (البنت، الزوجة، الأم، الأخت، العمة)، أو الكبيرة منها (ملهمة الحماس، جبل الصبر والصمود، وصية الإمامة لتوقيت خاص، بقية الثورة، مسؤولة الركب قائدة المسيرة نحو تحقيق الهدف الكبير ألا وهو الإصلاح في أمة جدها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
من أدوار السيدة زينب عليها السلام:
-كشف النقاب عن عدم شرعية النظام الأموي وفضحه وتوجيه الضربة القاضية له.
-تثبيت مبادئ حقانية الثورة الحسينية وتأكيد شرعيتها.
-حفظ الإمام زين العابدين عليه السلام من القتل، بما يُمثّل من حجة الله على عباده بعد أبيه سيد الشهداء عليه السلام.
-رعاية الأسرة الهاشمية أسر الشهداء جميعاً من الهلاك والحفاظ على مبادئهم الرسالية في العزة والكرامة.
-تعبئة الأجواء واستنهاض الناس للقيام بالثورات والانتفاضات.
-إكمال رسالة الحسين عليه السلام في حفظ الدين وأداء الرسالة.
فسلام على ربيبة بيت الوحي والرسالة، عقيلة بني هاشم … زينب الكبرى.
شبهات وردود
هل السيدة زينب عليها السلام معصومة؟
إن الالتزام بالأحكام الشرعية مع مراعاة الاحتياط والابتعاد عن الشبهات يولد لدى البعض درجة عالية من التقوى تعصم الإنسان من الوقوع في الذنوب، وإن الإقبال على الله تعالى ودوام الذكر له تعالى يولد لدى الانسان حالة من الذكر بحيث لا يحصل عنده النسيان.
فإذا قلنا للسيدة زينب عليها السلام عصمة، فلا يكون إلا من تلك العصمة المكتسبة التي تحصل عند الإنسان في زمن الإقبال على الله تعالى والوصول إلى درجة عالية من التقوى وهذه العصمة المكتسبة تختلف عن العصمة التي نثبتها للأنبياء والائمة المعصومين عليهم السلام، فإنها ثابتة لهم منذ الولادة وإلى الممات من جميع الذنوب ومن السهو والنسيان والخطاء.
وإن هذه العصمة المكتسبة تعني عدم المفارقة عن طريق العدل والطاعة وعدم السلوك في طريق القبيح والمعصية، والذي شهد لعصمة سيدتنا زينب الكبرى سلام الله عليها بالمعنى المتقدم:
-إن الإمام الحسين عليه السلام حمّلها مقداراً من ثقل الإمامة أيام مرض الإمام السجاد عليه السلام، وأوصى إليها بجملة من وصاياه، وأنابها الإمام السجاد عليه السلام نيابة خاصة لبيان أحكام الدين وآثار الولاية، كما نلاحظ في الحديث: «إن الحسين بن علي أوصى أخته زينب بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام في الظاهر وكان ما يخرج من علي بن الحسين ينسب إلى زينب بنت علي تستراً على علي بن الحسين عليه السلام».
-قول الإمام السجاد عليه السلام لها بعد خطبة الكوفة في حديث حزيم بن شريك الأسدي في (الاحتجاج): «أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة»، فإن هذا العلم غير المحتاج إلى التعليم هو من شأن المعصوم فيكشف علمها عن عصمتها.