الإخبار عن شهادته (عليه السلام):
قال الحر العاملي: وروى الحسين بن حمدان الحضيني في كتاب “الهداية في الفضائل” بإسناده عن محمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله الطلحي في حديث أن أبا الحسن (عليه السلام) أرسل إليهما: أنا راحل إلى الله في هذه الليلة، فأقيما مكانكما حتى يأتيكما أمر ابني أبي محمد (عليه السلام) إلى أن قال: وأصبحنا والخبر شائع بوفاة أبي الحسن (عليه السلام).
وصاياه (عليه السلام):
– قال المسعودي: واعتل أبو الحسن علته التي توفى فيها في سنة أربع وخمسين ومائتين، وأحضر ابنه أبا محمد الحسن (عليه السلام) وأعطاه النور والحكمة ومواريث الأنبياء والسلاح، ونصّ عليه وأوصى إليه بمشهد ثقات من أصحابه.
احتضاره (عليه السلام):
قال المسعودي: وحدثني محمد بن الفرج بمدينة جرجان في المحلة المعروفة ببئر أبي عنان قال: حدثني أبو دعامة، قال: أتيت علي بن محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) عائداً في علته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلما هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة قد وجب حقك، أفلا أحدثك بحديث تسر به؟ قال: فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله! قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي بن الحسين، قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أكتب يا علي، قال: قلت: وما أكتب؟ قال لي أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقرته القلوب، وصدقته الأعمال، والإسلام ما جرى به اللسان وحلت به المناكحة. قال أبو دعامة: فقلت: يا ابن رسول الله، ما أدرى والله أيهما أحسن: الحديث أم الإسناد؟ فقال: إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) نتوارثها صاغرا عن كابر.
كيفية شهادته (عليه السلام):
قال ابن شهر آشوب: في آخر ملك المعتمد استشهد مسموماً، وقال ابن بابويه: وسمه المعتمد.
– قال الطبري الإمامي: في آخر ملكه [ المعتز ] استشهد ولي الله مسموماً.
– قال المسعودي: وقيل: إنه مات مسموماً (عليه السلام).
– روى التستري، عن السيد محمد عبد الغفار الهاشمي فلما ذاعت شهرته (أي الهادي (عليه السلام)) استدعاه الملك المتوكل من المدينة المنورة، حيث خاف على ملكه وزوال دولته إليه بما له من علم كثير، وعمل صالح وسداد رأى، وقول حق وأسكنه بدار ملكه بالعراق في عاصمة (سامرا) وأخيراً دس له السم وتوفى منه…
والصحيح عندنا أنه استشهد في زمن المعتز مسموماً بيد المعتز كما عليه الأكثر، لأن المتوكل قتل في سنة سبع وأربعين ومائتين وبويع للمعتمد في سنة ست وخمسين ومائتين.
تجهيزه (عليه السلام):
– قال الطوسي: وقبره بسر من رأى في داره بها.
-قال الأربلي: ودفن في داره بسر من رأى.
– قال المسعودي: وحدثنا جماعة كل واحد منهم يحكى أنه دخل الدار وقد اجتمع فيها جملة بنى هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق من الشيعة ولم يظهر عندهم أمر أبي محمد ولا عرف خبرهم إلا الثقات الذين نص أبو الحسن عندهم عليه، فحكوا أنهم كانوا في مصيبة وحيرة فهم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر يا رياش خذ هذه الرقعة وامض بها إلى دار أمير المؤمنين وادفعها إلى فلان وقل له هذه رقعة الحسن بن علي فاستشرف الناس لذلك، ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم أسود، ثم خرج بعده أبو محمد حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب وعليه مبطنة بيضاء وكان وجهه وجه أبيه لا يخطى منه شيئاً، وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود فلم يبق أحد إلا قام على رجليه وثب إليه أبو محمد الموفق فقصده أبو محمد (عليه السلام) فعانقه، ثم قال له: مرحبا يا بن العم وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه وكانت الدار كالسوق بالأحاديث فلما خرج وجلس أمسك الناس فما كنا نسمع شيئا إلا العطسة والسعلة، وخرجت جارية تندب أبا الحسن، فقال أبو محمد: ما هاهنا من يكفى مؤونة هذه الجاهلة؟ فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد فنهض وأخرجت الجنازة وخرج يمشى حتى أخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بغا وقد كان أبو محمد – صلى عليه – قبل أن يخرج إلى الناس، وصلى عليه لما أخرج المعتمد ثم دفن في دار من دوره، واشتد الحر على أبي محمد وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه فصار طريقه إلى دكان البقال رآه مرشوشاً فسلم واستأذنه في الجلوس، فأذن له وجلس ووقف الناس حوله فبينا نحن كذلك إذ أتاه شاب حسن الوجه، نظيف الكسوة، على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض قد نزل عنه، فسأله أن يركب فركب حتى أتى الدار ونزل وخرج في تلك العشية إلى الناس ما كان يحزم عن أبي الحسن حتى لم يفقدوا منه إلا الشخص.