لا شك أن أكثر ما تعاني منه مجتمعاتنا العربية والإسلامية هو تدني اهتمام الشباب وأجيال عصر الاتصالات بالكتاب، ولا شك أن قلة الاهتمام هذه هي إحدى أهم أسباب تأخرنا الحضاري وتموقعنا في أدنى لائحة دول العالم من حيث الإمكانيات العلمية والاقتصادية والتقنية.. إلخ.
إن مسار الوصول إلى أعلى القمة يبدأ من الكتاب، ولا يهم إن كان كتاباً ورقياً أو إلكترونياً، المهم أن يكون كتاباً قيماً بما فيه، يقضي معه الشاب جل وقته، في المقهى، وفي الباص، وفي الجامعة، وعلى سريره.
فصناعة المجتمع القارئ تساوي صناعة المجتمع الواعي والمثقف والذي يعرف طريقه ووجهته، ويستطيع أن يحمل أساسيات التطوير والارتقاء بشكل مستمر.
ولكن ما السبيل للوصول إلى مجتمع قارئ؟ هل علينا أن نركز لأجل ذلك على مناهجنا التربوية في المدارس والجامعات؟ هل علينا أن نجيش نحو الحث على المطالعة من خلال الإعلام ووسائل التواصل الحديثة؟ هل علينا تأسيس المكتبات العامة في جميع المناطق والمدن؟.
الجواب: كل الذي ذكر جيد ومفيد ولا يسعنا الاستغناء عنه، وهو ضروري في سياق تركيز أسس المجتمع القارئ وتطويره شيئاً فشيئاً، ولكن برأيي المتواضع، فإن البذرة الأساسية، والانطلاقة السحرية والمؤثرة تبدأ من المنزل.
المكان الأول الذي يبني فيه الطفل وعيه، وتنغرس فيه من خلاله الركائز الأولى لشخصيته، فالمنزل الذي يحوي بداخله العناصر المشجعة إلى هذا الاتجاه تزيد فيه بنسبة كبيرة فرص أن يكون الشاب الذي تربى وترعرع فيه شاباً قارئاً ونهماً للعلم والمعرفة.
ولتتأكدوا من ذلك، أجروا مسحاً اجتماعياً لتعرفوا سر ولع بعض الباحثين والمفكرين في اي مجتمع بالكتب والمكتبات؟ وستجدون أن نسبة كبيرة منهم قد تربوا ونشأوا في منازل فيها مكتبات صغيرة أو كبيرة، أو منازل فيها قراء كالأب أو الأم أو الأخ الأكبر.. إلخ.
هؤلاء عاشوا في بيئة كان الكتاب يشكل الحيز الأساس الذي تقع عليه أبصارهم كل يوم، ويسمعون صوت حفيف أوراقه حين تقلبها أنامل الأب القارئ أو الأم القارئة.
هؤلاء نشأوا في مكان شكل الكتاب لهم فيه تحدياً حينما تناولوه لأول مرة محاولين معرفة ما فيه وسر اهتمام أحد أبويهم به، فإذا بهم لا يستطيعون نيل الكثير منه، سوى صورة موجودة هنا، أو رسمة رسمت فيه هناك.
فكان هذا دافعاً لهم لأن يسعوا للتعرف على محتويات هذه الصناديق الورقية المليئة بالرموز وجواهر المعاني والمعارف المحبوسة وراء أقفال الجمل والكلمات.