نحن في شهر شعبان الذي تتشعب فيه الخيرات للمؤمنين وعلى مقربة من ليلة النصف من شعبان التي روي في فضلها عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قوله: (هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر فيها يمنح الله العباد فضله ويغفر لهم بمنَّه، فاجتهدوا في القربة الى الله تعالى فيها، فإنها ليلة آلى الله عز وجل على نفسه أن لا يردَّ سائلاً فيها ما لم يسأل الله فيها المعصية)، وروي أنها مقصودة بقوله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان : 4)، لأن الله تعالى يثبت فيها الآجال ويقسّم فيها الأرزاق من السنة الى السنة، وينزل ما يحدث في السنة كلها بحسب الحديث النبوي الشريف.
فلنغتنم هذه الفرصة المباركة بالدعاء لبقية الله تعالى في أرضه (أرواح العالمين له الفداء) بالحفظ والنصر والتمكين وتعجيل الفرج حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ُملئت ظلماً وجوراً وأن يفرّج الله تعالى عنّا الهم والغم والكرب، ويختار لنا ما يحب ويرضى في يسر وعافية ويجعل عواقب أمورنا إلى خير.
ومن الأدعية المأثورة في هذا المجال ما دعا به النبي (صلى الله عليه وآله) في يوم بدر، والإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، وهو (اللَهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَأَنْتَ رَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِـي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الْفُؤَادُ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ، وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ، وَيَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوُّ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ، وَشَكَوْتُهُ إلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي إلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي، وَكَشَفْتَهُ، وَكَفَيْتَهُ، فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَمُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ).
(ومنها) دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) إذا عرضت له مهمة أو نزلت به ملمّة وعند الكرب وهو الدعاء السابع في الصحيفة السجادية وأوله (يامن تُحلَّ به عُقد المكاره).
روى السيد أبن طاووس في مهج الدعوات أن اليسع بن حمزة القمي كتب إلى الإمام الهادي (عليه السلام) يشكو اليه ما حلَّ به من وزير الخليفة العباسي وما يتخوفه من القتل، فكتب اليه: لا روع عليك ولا بأس فادع الله بهذا الدعاء يخلصّك قريباً ويجعل لك فرجاً، فان آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) يدعون به عند نزول البلاء وظهور الأعداء وعند تخوّف الفقر وضيق الصدر، فدعا به في صدر النهار فما مضى شطره حتى أُطِلق وأُكرِم.
(ومنها) طلب الاغاثة من الله تعالى والالتجاء إليه بالنداء (يا غياث المستغيثين أغثني)، حكى المرحوم الشيخ احمد الوائلي حادثة في تأثير هذا النداء، أن ملكاً أصبح في يوم حزيناً كئيباً ضيق الصدر ولم يعرف سبباً لذلك فحاول مساعدوه ومستشاروه أن يفعلوا كل ما يستطيعون لتعديل مزاجه وإدخال السرور عليه وإزالة الغم عنه فلم يفلحوا، فأمرهم أن يعدّوا السفن ليخرج في نزهة بحرية لعل وضعه يتحسن، فهيأوا له ما يحتاج وانطلقوا في رحلة في عرض البحر، سمع نداء استغاثة من إنسان فأمر رجاله بالنزول الى البحر والبحث عنه حتى وجدوه وأنقذوه، وجاؤوا به إلى الملك فسأله عن حاله، وقال: كنا في سفينة فأضطرب البحر وانكسرت وغرق الركاب إلا أنا كنت أستغيث بالله تعالى وأصيح: (يا غياث المستغيثين أغثني) حتى جئتم فأنقذتموني.
فهذه كلها أبواب للرحمة الإلهية وموجبات لنزول ألطافه، نسأل الله أن يشملنا بها ويغيّر سوء حالنا بحسن حاله ويصلح ما فسد من أمور ديننا ودنيانا، وقد كانت من آثار الابتلاء بفايروس كورونا تعالي الصيحات في الغرب للرجوع الى الله تعالى، وترك الجرائم والموبقات التي أغضبت الرب.
قال الله تبارك وتعالى (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) (الإسراء :67).
محمد اليعقوبي ـ النجف الأشرف
10/شعبان/1441 هـ
4 / 4 / 2020 م