قال تعالى: { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ } [ق: ٣١-٣٣].
ينبغي علينا أن نتساءل: لماذا كانت صفة الخشية من الرحمن بالغيب من صفات المتقين؟ وبتعبير آخر ما هي خصوصية هذه الصفة؟.
والجواب: إن الإنسان إذا اتصف بهذه الصفة، فهذا يؤشر إلى أمور:
أولها: إنه وصل إلى درجة من الاعتقاد بوجود الله وعظمته وقدرته جعلته يعيش حالة الخشية في كل أحواله وساعاته، وبطبيعة الحال فإن الإنسان الذي يصل إلى هذه الدرجة لن يفكر في ارتكاب أمر محرم ولن يستطيع أن يترك أداء واجب من الواجبات وسيستشعر مراقبة الله سبحانه وتعالى له في كل حركاته وسكناته.
وهنا تظهر الدقة في استعمال لفظ (الخشية) بدل (الخوف) ؛ فإن الخوف الذي ينشأ من ضعف الخائف قد يجتمع مع المعصية عند توفر الفرصة لذلك، أما الخشية الناشئة من تعظيم المخشي منه فإنه يبعد فيها المعصية، فمن الصعب جداً أن نعصي من نعظمه.
ثانيها: أن الخشية من الله في السر وبمنأى عن الناس تؤشر إلى أن هذا الإنسان يعيش علاقة صادقة مع الله سبحانه وتعالى ولا مجال للرياء فيها، فإن الخشية في العلن فقط قد تكون مفتعلة ومن باب الرياء أما الخشية في السر فهي صادقة ولا يعلم بها إلا الله والعبد نفسه.
ثالثها: أن هذه الصفة تجعل العبد مطيعاً لخالقه غير متردد في امتثال أوامره، فمع الخشية الحقيقية من العبد لله لا مجال للتواني عن طاعته، وبذلك سيرتقي هذا الإنسان إلى أعلى مراتب التقوى والعبودية لله.
الشيخ حيدر السعدي