صفية الجيزاني
جوهرة نادرة الوجود، ينبوع للعطاء والكمال، نسمة طاهرة، مهما قيل في حقها فهي فوق مانقول، كيف لا وهي حبيبة الله ورسوله الكريم صلى الله عليه واله، وهي الوعاء الطاهر لسيدة نساء العالمين.
صرحت العديد من الروايات الشريفة في بيان بعض خصائص ومقامات هذه الدرة الفريدة، فهي أول مؤمنة من النساء، آمنت برسول الله ورسالته وهي زوجته في الدنيا والآخرة، وهي الصادقة الطاهرة، في خبر أن الناس سمعوا يوم زفافها منادياً ينادي من السماء: (إن الله تعالى قد زوج بالطاهر الطاهرة، وبالصادق الصادقة).
وقد اختصها الله تعالى بنور يوم زفافها :قالت نساء بني هاشم :اشرق من نور وجهها نور علا على جميع المصابيح والشموع فتعجبنا لذلك حتى زاد فيها نور لم ير الراؤون مثله.
وقد اختصها الباري عزوجل بسلام منه، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله : أن جبرائيل قال له ليلة أسري به :(يامحمد اقرأ على خديجة من الله ومني السلام)، فلما بلغها قالت: إن الله هو السلام، ومنه السلام، واليه يعود السلام، وعلى جبرائيل السلام.
كما أنها سلام الله عليها بذلت ما تملك في سبيل الله فمالها كان سبباً في انتشار الإسلام.
ولها منزلة خاصة في البرزخ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: أنه لما توفيت خديجة، جعلت فاطمة تلوذ برسول الله صلى الله عليه وآله وتدور حوله وتقول :أبه اين أمي؟ فنزل جبرائيل وقال: (ربك يأمرك ان تقرأ فاطمة السلام، وتقول لها: إن أمك في بيت قصب، كعابه من الذهب وعمده ياقوت احمر، بين آسية ومريم بنت عمران….).
أما مقاماتها عليها السلام، فإن الله تعالى يباهي بها كرام ملائكته مراراً في كل يوم، روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعمار بن ياسر، قل لخديجة بأن الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً.
اما مقامها عند رسول الله صلى الله عليه وآله، فإنه كان يبكي لمجرد سماع اسمها، وكان يحب كل من تحبه خديجة عليها السلام إكراماً لها، فقد روي عن عائشة :كلما كان يذبح رسول الله ذبيحة، كان يقول :ابعثوا من لحمها الى أحباء خديجة، فسألته عن السبب فقال :(إني لأحب حبيبها)، وكان كثير الذكر لها، ويفتخر بها امام الملأ، فكان يقول :(آمنت بي اذ كفر الناس، وصدقتني اذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد الناس).
أما مقامها عند الأئمة الأطهار عليهم السلام، فقد ساروا على نهج جدهم رسول الرحمة في تعظيمها والافتخار بها.
فالإمام الحسن عليه السلام قد افتخر بها على معاوية الذي كان يشتم أمير المؤمنين على المنبر فقال له الإمام :(أنا حسن وأبي علي وأنت معاوية وأبوك صخر، أمي فاطمة عليها السلام وامك هند، جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، وجدك حرب، ثم قال :وجدتي خديجة وجدتك نثيلة… فلعن الله أخملنا ذكراً وأقلنا نسباً).
وكذلك سيد الشهداء عليه السلام افتخر بجدته السيدة خديجة عليها السلام، حينما عرفهم بنفسه (أقسمكم بالله، ألا تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد….)
وقد افتخر إمامنا السجاد عليه السلام في خطبته بالشام بانتسابه لها عليها السلام حيث قال :(أنا ابن خديجة الكبرى….)
فهذه بعض خصائصها ومقاماتها سلام الله عليها، فعانت ماعانت في سبيل نصرة الاسلام والرسالة المحمدية إلى أن رحلت عن هذه الدنيا، وهي تودع حبيبها رسول الله بكلماتها النورانية وتقول له :(إني قاصرة في حقك فاعفني، ولم أكن قد أديت حقك، وإن كان لي شيء أطلبه فهو رضاك)، فسلام على تلك السيدة العظيمة يوم ولدت ويوم رحلت ويوم تبعث حية.