الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع) في سطور
ولادة الإمام الرضا (ع): ولد في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة (148هـ) في المدينة المنوّرة.
الشهادة: استشهد بالسمّ في شهر صفر، سنة ثلاث ومائتين من يوم الجمعة، وهو يومئذٍ ابن خمس وخمسين سنة، ودفن في دار حميد بن قحطبة في بقعة هارون الرشيد في قرية يقال لها سناباد.
ألقابه: الرضا، الصابر، الفاضل، الرضيّ، الوفيّ، قرّة أعين المؤمنين، غيظ الملحدين.
كنيته: أبو الحسن الثاني.
مدفنه: طوس.
تمهيد:
عاصر الإمام الرضا عليه السلام خلال فترة إمامته المباركة الّتي استمرّت عشرين سنة عدداً من خلفاء بني العبّاس وهم هارون الرشيد لمدّة عشر سنوات (183 ـ 193هـ)، ومن بعده ولداه الأمين والمأمون.
بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام سنة 183هـ وتسلّم الإمام الرّضا عليه السلام الإمامة عانى الكثير من ظلم هارون، ولكن لم يظهر منه أيّ تصدٍّ علنيّ لمنصب الإمامة. ولم يسجّل له أيّ حضور في المجالس والمحافل العامّة، وذلك لأسباب متعدّدة منها الوصيّة الّتي ركّز فيها الإمام الكاظم عليه السلام. على أنّ إظهار ابنه الإمام عليه السلام للإمامة سيكون بعد أربع سنوات من استشهاده أي سنة 178هـ. وذلك لإدراك الإمام الظروف القاسية التي ستمرّ بها الأمّة في ذلك الوقت.
وبالفعل في سنة 187هـ تصدّى الإمام لمنصب الإمامة علناً، ولذلك قال له محمّد بن سنان: لقد شهرت بهذا الأمر – الإمامة. وجلست في مكان أبيك بينما سيف هارون يقطر دماً. فقال الإمام عليه السلام: “إنّ الّذي جرّأني على هذا الفعل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لو استطاع أبو جهل أن ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأنّي لست نبيّاً وأنا أقول: لو استطاع هارون أن ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأنّي لست إماماً”.
وبالفعل توفّي هارون سنة 193هـ. ودُفن في مدينة طوس.
الإمام عليه السلام في عصر الأمين
إنّ شخصيّة الأمين كما تصفها بعض الكتب كانت شخصيّة مستهترة، يقول بعض الكُتّاب “قد كان قبيح السيرة ضعيف الرأي. سفّاكاً للدماء يركب هواه، ويهمل أمره، ويتّكل في جليلات الأمور على غيره”.
وقد احتدم الصراع بين الأمين والمأمون والّذي أدّى في نهاية المطاف إلى الإطاحة بحكم الأمين وقتله.
وقد استغلّ الإمام عليه السلام هذه الأوضاع، وصبّ جهوده على بناء الجماعة الصالحة ونشر المفاهيم الإسلاميّة الصحيحة في المجتمع. الّذي عانى الكثير من المجون والفساد والانحراف الفكريّ.
الإمام عليه السلام في عصر المأمون
المأمون رجل ذكيّ، وهذا ما يمكن أن نفهمه من إسناد ولاية العهد إلى الإمام عليه السلام. وحقّاً يجب القول إنّ سياسة المأمون كانت تتمتّع بتجربة وعمق لا نظير له، لكن الطرف الآخر الّذي كان في ساحة الصراع كان الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام. وهو نفسه الّذي كان يحوّل أعمال المأمون وخططه الذكيّة والممزوجة بالشيطنة إلى أعمال بدون فائدة ولا تأثير لها، وإلى حركات صبيانيّة كما سنرى في الكلام عن ولاية العهد. وهناك عدّة شواهد على هذه الشيطنة، ففي عصره كان يتمّ ترويج العلم والمعرفة بحسب الظاهر، وكان العلماء يُدعَون إلى مركز الخلافة، ويبذل المأمون الهبات والمشجّعات للباحثين، وذلك لإعداد الأرضيّة لانجذابهم نحوه، وعلاوة على هذا فقد حاول جذب الشيعة وأتباع الإمام عليه السلام إليه. من خلال القيام ببعض الأعمال، فمثلاً كان يتحدّث عن عدّة أمور منها:
أ- أنّ الإمام علياً عليه السلام أكثر أهليّة وأولى بالخلافة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
ب- جعل لعن معاوية وسبّه أمراً رسميّاً.
ج- أعاد للعلويّين ما غُصب من حقّ السيّدة الزهراء عليها السلام في فدك.
وبالنتيجة كان يبذل قصارى جهده لإرضاء الناس حتّى يستطيع بسهولة الاستقرار على مركب الخلافة.
ولاية العهد: أهدافها، أسبابها ونتائجها
بعد مقتل الأمين تسلّم المأمون الخلافة سنة 198هـ، وأسند ولاية العهد إلى الإمام عليه السلام سنة 201 للهجرة، وكان وراء هذا العمل عدّة أهداف منها:
1- التهدئة للأوضاع الداخليّة:
بعد تسلّم المأمون الخلافة بسنة واحدة أي 199هـ، اندلعت ثورات عظيمة وحركات تمرّد واسعة قادها العلويّون، حيث خرج أبو السرايا السريّ بن منصور الشيبانيّ بالعراق ومعه محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل الحسنيّ، فضرب الدارهم بالكوفة بغير سكّة العبّاسيين، وسيّر جيوشه إلى البصرة. وقد توزّعت الثورة على عدّة جبهات:
أ- جبهة البصرة بقيادة العبّاس بن محمّد بن عيسى الجعفريّ.
ب- وجبهة مكّة بقيادة الحسين بن الحسن الأفطس.
ج- وجبهة اليمن بقيادة إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام.
د- وجبهة فارس بقيادة إسماعيل بن موسى بن جعفر عليه السلام.
هـ- وجبهة الأهواز بقيادة زيد بن موسى.
و- وجبهة المدائن بقيادة محمّد بن سليمان.
ولذلك كان الهدف الأوّل من دعوة الإمام عليه السلام إلى خراسان تحويل ساحة المواجهة العنيفة والملتهبة إلى ساحة مواجهة سياسيّة هادئة.
2- سلب القداسة والمظلومية عن الثورة:
الشيعة لم يكونوا يعرفون التعب أو الملل في المواجهة ولم تكن ثورتهم لتقف عند حدّ. وهذه المواجهات كان لها
خاصّيّتان:
الأوّلى: المظلوميّة.
الثانية: القداسة.
المظلوميّة: الّتي كانت تتمثّل بانتزاع الخلافة والاضطهاد والقتل الّذي تعرّض له أئمّة أهل البيت عليهم السلام من عهد مولانا الإمام عليّ عليه السلام. إلى عهد مولانا الرضا عليه السلام وما بعده.
أمّا القداسة: فهي الّتي يمثّلها الإمام المعصوم من خلال ابتعاده عن أجهزة الحكم، وقيادة الناس وفقاً لمنهج الإسلام المحمديّ الأصيل.
إنّ المأمون العباسيّ حاول من خلال ولاية العهد أن يسلب هذه القداسة والمظلوميّة اللّتَيْن تشكّلان عامل النفوذ الثوريّ في المجتمع الإسلاميّ. لأنّ الإمام عندما يصبح وليّ عهد سينضمّ، حسب تصوّر المأمون، إلى أجهزة الحكم وينفذ أوامر الملك في التصرّف بالبلاد إذاً فهو لم يعد لا مظلوماً ولا مقدّساً.
3- إضفاء المشروعيّة على الخلافة العباسيّة:
إنَّ مبايعة الإمام عليه السلام للمأمون تعني حصول المأمون على اعتراف من العلويّين، على أعلى مستوى، بشرعيّة الخلافة العباسيّة. وقد صرّح هو بذلك “فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا”.
لأنّ هذه البيعة تعني بالنسبة إلى المأمون: أنّ الإمام يكون قد أقرّ بأنّ الخلافة ليست له دون غيره، ولا في العلويّين دون غيرهم. ولذلك إنّ حصول المأمون على هذا الاعتراف ومن الإمام عليه السلام خاصّة، يُعتبر أخطر على العلويّين من الأسلوب الّذي انتهجه أسلافه من أمويّين وعباسيّين ضدّهم، من قتلهم وتشريدهم، وسلب أموالهم.
وهناك أهداف كثيرة ذُكرت في الكتب للبيعة كأن يكسب المأمون سمعة معنويّة وصيتاً بالوقار والتقوى، وأن يتحوّل الإمام إلى حامٍ ومرشد للنظام، إلى غير ذلك من الأهداف الّتي سنذكر بعضها. ولكنّ السؤال المهمّ هو ما هي الإجراءات التي قام بها الإمام عليه السلام في سبيل مواجهة هذه الخطوة السياسيّة الدقيقة؟
ولكن قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ لنا من معرفة الأسباب لقبول هذه البيعة، وإن كانت هناك أسباب متعدّدة ولكنّنا نقتصر على أهمّ سبب في هذا المجال وهو:
الإكراه على البيعة
أوّل أمر قام به الإمام أنّه رفض البيعة بولاية العهد. وانتشر هذا الرفض في كلّ مكان حتّى إنّ الفضل بن سهل صرّح في جمع من العاملين بهذا الأمر. وبيّن الإمام في كلّ فرصة أُتيحت له أنّه مجبر على القيام بهذا الأمر. وهذا يُعتبر أيضاً إجراء من قبل الإمام في مواجهة ولاية العهد من قبل المأمون. قال الريّان بن الصلت: “دخلت على عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، فقلت له: يا بن رسول الله الناس يقولون: إنّك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا، فقال عليه السلام: قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خُيّرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أنّ يوسف عليه السلام كان نبيّاً ورسولاً فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾؟ ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلّا دخول خارج منه فإلى الله المشتكى وهو المستعان”.
طبعاً هذا لا يعني أنّ الإمام عليه السلام لأنّه هُدّد بالقتل قبِل بولاية العهد من دون النظر إلى النتائج المترتّبة على ذلك. ومن النصوص الّتي يظهر فيها التهديد للإمام عليه السلام هو قول المأمون له: “إنّ عمر بن الخطّاب جعل الشورى في ستّة أحدهم جدّك أمير المؤمنين عليّ عليه السلام. وشرط فيمن خالف منهم أن يُضرب عنقه ولا بدّ من قبولك ما أريده منك فإنني لا أجد محيصاً عنه”.
وأمّا الإجراءات الّتي قام بها الإمام عليه السلام فهي متعدّدة منها:
1- إعلان التهديد:
وهذا الإجراء تقدّم الكلام عنه، وقد ساعد أعوان السلطة لعدم تدبيرهم ودرايتهم بالسياسة على نشر هذا الخبر.
2- عدم التدخّل في الشؤون السياسيّة:
رغم كلّ التهديدات الّتي مورست على الإمام عليه السلام قَبِلَ ولاية العهد بشرط الموافقة على عدم تدخّله في أيّ شأن من شؤون الحكومة من حرب أو سلم، ومن عزل أو نصب الخ. فقد قال عليه السلام عندما هدّده المأمون: “فإنّي أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنّني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولّي ولا أعزل ولا أغيّر شيئاً ممّا هو قائم، فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه”.
إلى غيرها من الإجراءات التي قام بها الإمام الرضا عليه السلام في مواجهة هذه السياسة الّتي قام بها المأمون والّتي لا يستوعبها هذا البحث.
بعض من نتائج ولاية العهد:
1- اعتراف المأمون بأحقيّة أهل البيت عليهم السلام:
ويكفي للتدليل على هذه الفكرة أن نطّلع على بعض الكلمات التي صدرت عن الإمام عليه السلام في مراسم التعيين. فعندما طلب المأمون منه أن يخطب أمام الناس خطب موضّحاً حقّه: “أيّها الناس إنّ لنا عليكم حقّاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكم علينا حقّاً به، فإذا أدّيتم إلينا ذلك وجب لكم علينا الحكم والسلام”.
ثم خطب المأمون فقال: “أيّها الناس جاءتكم بيعة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام والله لو قرأت هذه الأسماء على الصمّ البكم لبرئوا بإذن الله عزّ وجلّ”.
2- توظيف الإعلام لصالح الإمام عليه السلام:
وقد تمّ ذلك من خلال عدّة خطوات:
أصبح أئمّة الجمعة يدعون للإمام الرضا عليه السلام في كلّ جمعة وعند كلّ مناسبة.
ضربت النقود باسم الإمام الرضا عليه السلام في جميع الأمصار.
كثرت الخطب والأشعار المادحة للإمام وأهل البيت عليهم السلام. حتى إنّ المأمون نفسه قال:
لا تُقبل التوبة من تائب***إلّا بحبِّ ابن أبي طالب
أخي رسول الله حلف الهدى13***والأخ فوق الخِلّ والصاحب.
3- حريّة الإمام عليه السلام في المناظرة:
ويكفي أن نعرف أنّ مناظرات الإمام كثيرة جدّاً مع كلّ المذاهب والأديان حتّى لُقّب عليه السلام بـ “غيظ الملحدين”.
فقد جمع المأمون للإمام عليه السلام الجاثليق وهو رئيس الأساقفة، ورأس الجالوت عالم اليهود، ورؤساء الصابئين، وعظماء الهنود من أبناء المجوس، وأصحاب زرادشت. وعلماء الروم، والمتكلّمين، فناظرهم بأجمعهم في مناظرات مشهورة، وغلب عليهم بالحجة البينة والبراهين التامة، وأذعنوا لتمام فضله في العلم.
4- نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام ومقاماتهم:
فقد نشر الإمام عليه السلام فضائل الإمام عليّ عليه السلام وكراماته، ويكفي أن نعرف أنّ نفس المأمون في سنة 211. قد أمر أن ينادى: “برئت الذمّة ممّن يذكر معاوية بخير، وإنّ أفضل الخلائق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّ بن أبي طالب”.
5- حقن دماء المسلمين:
من مكتسبات هذه الولاية حقن الدماء، فقد أصدر المأمون العفو العامّ عن قادة الثورات: كزيد وإبراهيم أخي الإمام عليه السلام، ومحمّد بن جعفر.