تحدث سماحة المرجع الديني محمد اليعقوبي عن تمزق الأمة وتشتتها وتفرقها شيعاً وأحزاباً نتيجة لتولية أمرها إلى من لا يستحق.
[كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ](الروم:23).
وهذه نتيجة طبيعية للابتعاد عن الإمامة الحقيقية، لأن سر تشريع الإمامة هو تحصين الأمة من التمزق والانحراف، كما قالت الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشهيرة بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَجَعَلَ إمَامَتَنَا نِظَاماً للمِلَّةِ)(1) أي تنتظم بها أمورهم وتستقر، وقال تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا](آل عمران:103) [ولا تَنَازَعوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ](الأنفال:46)، وحبل الله الممدود من السماء إلى الأرض هما الثقلان كتاب الله وعترة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) – كما بينتُ في شكوى القرآن.
مضافاً إلى أن هذا الموقع بعد أن خرج عن مستقره وأبعد عنه أهله أصبح مطمعاً لكل حالم به، وشهوة التسلط أقوى الشهوات، وفيها استجابة للأنانية واستكبار النفس، فمن الطبيعي أيضاً أن تكثر الصراعات حول هذا المنصب، وتداس في خضم هذا الصراع كل القيم والأخلاق.
وتكفي وقفة تأمل واستطلاع بسيط للتأريخ لنقرأ بكل أسف وألم يفتت القلوب المآسي التي جرَّها التنازع على السلطان، والخسائر الفادحة في الأنفس والأعراض والأموال التي هدرت في هذا الصراع، فمن الذي يتحمل هذه المسؤولية؟ ومن الذي فتح هذا الباب على المسلمين؟ وماذا يجني من يحدث هذا الفتق في أمة الإسلام؟
وخير معبر عن هذه الآلام وهذه الخسائر أحد الأدعية الواردة في لعن أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والبراءة منهم إلى أن يقول: (اللهم العنهم بعدد كل منكر آتوه، وحق أخفوه، ومنبر علوه، ومؤمن أرجوه، ومنافق ولّوه، وولي آذوه، وطريد آووه، وصادق طردوه، وكافر نصروه، وإمام قهروه، وفرض غيروه، وأثر أنكروه، وشر آثروه، ودم أراقوه، وخير بدلوه، وكفر نصبوه، وإرث غصبوه، وفيء اقتطعوه، وسحت أكلوه، وخمس استحلوه، وباطل أسسوه، وجور بسطوه، ونفاق أسرّوه، وغدر أضمروه، وظلم نشروه، ووعد أخلفوه، وأمان خانوه، وعهد نقضوه، وحلال حرموه، وحرام أحلوه، وبطن فتقوه، وجنين أسقطوه، وضلع دقوه، وصك مزقوه، وشمل بددوه، وعزيز أذلوه، وذليل أعزوه، وحق منعوه، وكذب دلسوه، وحكم قلبوه، اللهم العنهم بكل آية حرفوها، وفريضة تركوها، وسنة غيروها، ورسوم منعوها، وأحكام عطلوها، وبيعة نكثوها، ودعوة أبطلوها، وبينةٍ أنكروها، وحيلة أحدثوها، وخيانة أوردوها، وعقبة ارتقوها، وشهادات كتموها، ووصية صنعوها)(1).
ولو شئنا لذكرنا أمثلة وشواهد على كل فقرة، لكنها مما لا تخفى على المطلع على التأريخ، فأي قلب لا يذوب أسىً على ما سببه ذلك التضييع للحق الصريح؟!.