بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين. قد يتبادر إلى أذهان الكثير منا هذا السؤال – لماذا تزوج الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من جعدة بنت الأشعث وهو يعلم أنها تقتله؟؟؟.
في الحقيقة أن عائلة الأشعث بن قيس عرفت في التاريخ بنفاقها فلو لاحظنا تاريخ هذه العائلة نجد الغرائب فالأشعث بن قيس كان من أبرز المنافقين أسلم في حياة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). واقترح على النبي أن يزوجه أخته ( قتيلة بنت قيس) فلما انصرف إلى حضرموت ليحملها. بلغه وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فردها إلى بلادها (فارتد الأشعث عن الإسلام وارتدت اخته أيضاً). ولم يقتصر الأمر على الارتداد عن الإسلام بل تزوجت أخته وهي التي أصبحت زوجة للنبي ومحرم عليها الزواج بعد، من عكرمة بن أبي جهل!!.
راجع تفاصيل ذلك ( تفسير القرطبي، أسد الغابة لابن أثير، ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن سعد في الطبقات الكبير. الحاكم النيسابوري في المستدرك ج٤ ص ٣٨).
والأشعث أصبح فيما بعد من الخوارج ورأس المنافقين ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) وقد اشترك في قتل الإمام (عليه السلام) كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام). حيث اشترك هو في قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتل ابنته الإمام الحسن بسمه (عليه السلام). واشترك ولده محمد بن الأشعث في قتل الإمام الحسين (عليه السلام) فأي تربية وأي حقد وكراهية منهم لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟؟!!!.
فكيف تزوج الإمام الحسن من هذه القاتلة!!
إن مما ذكره المؤرخون أن زواج الإمام الحسن (عليه السلام) من جعدة لم يكن هو من اختارها ولا أن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) اختارها لتكون زوجة للإمام الحسن (عليه السلام).
بل إن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام طلب من سعيد بن قيس أخو الأشعث بن قيس أن يزوج ابنته (أم عمران) من ولده الإمام الحسن عليه السلام. فأراد سعيد أن يستشير أمها وفي الطريق التقى أخاه الأشعث فأخبره بذلك فاحتال الأشعث عليه وقال ألا تزوجها لمن هو خير منها. قال من من قال من ابني محمد فوافق سعيد على ذلك وذهب الأشعث بن قيس إلى الإمام أمير المؤمنين فقال يا علي هل خطبت ابنة سعيد للحسن ع. قال نعم قال إنما صارت زوجة لولدي محمد فقال الإمام علي متى ذلك قال الساعة فقال الأشعث ألا أزوجه (أي الحسن ممن هي أفضل منها؟) قال من قال أزوجه ابنتي جعده فاهدى ابنته للإمام الحسن عليه السلام فوافق الإمام الحسن على ذلك.
وقد يكون الإمام الحسن ع أراد من موافقته على الزواج من جعده تقليل خطورة قبيلة كندة الكبيرة العدد وزعيمها الأشعث على الإسلام والمسلمين. وإحداث الفتن بينهم وامتصاص نقمتهم وكسب ولائهم.
كما لا يخفى أن هناك أمور واقعية يراها المعصوم وهي تكون خافية علينا ولهذا نجد أنه وافق على هذا الزوج لما فيه من مصلحة للإسلام بشكل عام. وإن استلزم ذلك التضحية بالنفس لأن الإمام المعصوم يضحي بنفسه لأجل المصالح العليا للإسلام. ( راجع المصادر التاريخية سيما البلاذري في كتابه أنساب الإشراف ج٣ ص ١٤ – ١٥).
فلا يشكل على الإمام الحسن عليه السلام زواجه من جعدة لأن أبوها أهداها له ولما في ذلك من مصلحة ولو جاز لنا أن نشكل على الإمام الحسن ذلك. لجاز أن نشكل على نوح عليه السلام وهو نبي من أنبياء أولي العزم زواجه من امرأة غير صالحة. وكذلك نبي الله لوط عليه السلام حسب ما جاء في القرآن الكريم لقوله تعالى –
(( ضرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ )) ( التحريم /١٠).
وهكذا قضى الإمام الحسن عليه السلام سيد شباب أهل الجنة مسموماً شهيداً على يد زوجته جعدة التي أقنعها معاوية بن أبي سفيان بذلك سنة ٥٠ للهجرة ، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً
السيد سعد أحمد الأعرجي
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية