كتب يقظان الخزاعي: لربما سائل يسأل فيقول لماذا يتوجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى فيما إذا حصلت معصية وعمل منكر خارج دائرة المكان الذي نعيش فيه، وقد لا يصل صوتنا إلى من فعل المنكر بعينه؟.
•أنواع الذنوب وآثارها
لابد أولاً أن نعرف أن الذنوب على نوعين منها الخاص الشخصي والعام الاجتماعي، وكلامنا في النوع الثاني منها الذنوب ذات البعد الاجتماعي والتي يقوم بها العاصي بصورة علنية واضحة للعيان والتي فيها أثر دنيوي، بالإضافة إلى أثرها الأخروي، وهذه الذنوب لها آثار سلبية على المجتمع، فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: ( كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون ) (١).
فهناك علاقة تكوينية بين المعاصي وبين البلاءات التي تصيب العباد والبلاد، كما يمكن الاستفادة من هذه الرواية بقرينة المقابلة في الأثر فالعكس صحيح أيضاً، وأنه كلما أحدث العباد طاعات جديدة أحدث الله لهم نِعم وخيرات جديدة وقد ذكر القرآن هذه النِعم المترتبة على الطاعات في قوله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } (٢).
وفي الرواية عن الفضيل ابن يسار عن الإمام الصادق (عليه السلام) : من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال.(٣)
•ماذا لو تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ومن زاوية ثانية فيما لو أعرضنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعطلنا هذه الفريضة الإلهية المباركة، فإن البلاء سيعم وحينها يؤخذ الساكت بجريرة العاصي كما حصل في الأقوام السابقة والأمم الماضية، وقد قصّ علينا القرآن وتراث أهل البيت عليهم السلام كيف عم البلاء لتلك الأمم ومنها:
إن الله عز وجل أوحى إلى شعيب النبي أني معذب من قومك مئة ألف أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفاً من خيارهم، فقال (ع) يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار فأوحى الله إليه أنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.(٤)
وها هو موسى الكليم (عليه السلام) يخشى من شموله بالعذاب رغم انه لم يقترف ذنباً حاشاه { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا } (٥).
حتى إن التيه الذي أصاب قوم موسى (عليه السلام) شمل الجميع ولم يفرق بين المؤمنين والمخالفين لموسى عليه السلام قال تعالى: (قَالوا يَا موسَى إنَّا لَن نَدخلَهَا أَبَداً مَا دَاموا فيهَا فاذهَب أَنتَ وَرَبّكَ فقَاتلا إنَّا هَاهنَا قَاعدونَ قال ربّ اني لا املك إلا نفسي واخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قَالَ َإنَّهَا محَرَّمَةٌ عَلَيهم أَربَعينَ سَنَةً يَتيهونَ في الأَرض فلا تَأسَ عَلَى القَوم الَفاسقين) (٦).
كما أننا لو أدّينا تلك الفريضة المباركة فسوف نحصل على آثار كثيرة منها عدم شمول المؤمنين بالبلاء، فقد قال تعالى:{ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } (٧)
وقال تعال: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ َلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }(٨)
فتغيير المنكر ورفضه في القلب له آثر وفائدة فان الله تبارك وتعالى ينظر الى قلب الانسان المؤمن والى جوارحه فقلب الانسان هو الركيزة الأساسية لرفض الباطل وقبول الطاعة ولذلك كان الذنوب القلبية أشد أثراً على الانسان من الذنوب الجوارحية فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : القصد إلى الله بالقلوب أبلغ من القصد إليه بالبدن، وحركات القلوب أبلغ من حركات الأعمال (٩).
نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
٩/ جمادى الأولى/ ١٤٤٣ هجرية
————
(١) – ميزان الحكمة، الريشهري، ج٣، ص٩٩٥
(٢)- سورة نوح، (١٠-١١)
(٣)- الامالي، الطوسي، ص٧٠١
(٤)- الدرر السنية، الحر العاملي، ص٣٠
(٥)- سورة الاعراف، ١٥٥
(٦)- سورة المائدة ( ٢٥-٢٦)
(٧)- سورة هود ٩٤
(٨)- سورة الأعراف ١٦٤
(٩)- مشكاة الانوار، ص٢٠٦
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية