1- قال المحدث الخبير الحائري: ولعمري فحسر عن إدراكها إنسان كل عارف، وقصر عن وصفها وإحصائها كل محص وواصف، والكل بضروب فضائلها معترفون، وعلى باب كعبة فواضلها معتكفون، وخصها الله من وصائف فضله وشرائف نبله بأكمل ما أعده لغيرها من ذوي النفوس القدسية، والأعراق الزكية والأخلاق الرضية، والحكم الإلهيه، وسطح صبح النبوة بطلعتها الحميدة وغرتها الرشيدة، الكمالات الإنسانية، وملكات الفضائل النفسانية كأن طينتها قد عجنت بماء الحياة وعين الفضل في حظيرة القدس، فهي نور الحق، وحقيقة الصدق، وآية العدل، فتعالى مجدها، وتوالى إحسانها، ولدت (عليها السلام) في جمادى الآخر يوم العشرين منها، بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس سنين.
2- قال المحدث القمي (رضي الله عنه): ولدت فاطمة- صلوات الله عليها- في جمادى الآخرة، يوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلوات الله عليه وآله، وكان بعد مبعثه بخمس سنين، كما روي عن الصادقين (عليهما السلام). وكان مبدأ حمل خديجة رضي الله عنها بها أن النبي صلى الله عليه وآله لما عرج به إلى السماء أكل من ثمار الجنة رطبها وتفاحها، فحولها الله تعالى ماء في ظهره فلما هبط إلى الأرض واقع خديجة، فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألى رائحة الجنة كان يشمها فيجد منها رائحة الجنة ورائحة شجرة طوبى. وكان يكثر لذلك أيضاً تقبيلها وإن أنكرت عليه بعض نسائه لجهلها بشرف محلها. فإن قلت: أن الإسراء برسول الله صلى الله عليه وآله كان قبل الهجرة بستة أشهر، وقيل: كان في سنة اثنتين من المبعث، وكان ولادة فاطمة عليها السلام بعده بثلاث سنين، فكيف يوافق ذلك؟ قلت: لم يكن معراجه صلى الله عليه وآله وسلم منحصرا في مرة واحدة حتى لا يوافق ذلك، بل روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: عرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة وعشرين مرة ما من إلا وقد أوصى الله عزوجل فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالولاية لعلي والأئمة عليهم السلام أكثر مما أوصاه بالفرائض.
3- قال المحدث القمي (رضي الله عنه): اعتزال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن خديجة- رضي الله عنها- أربعين يوماً كان للتأهب لتحية رب العالمين وتحفته، والمراد فاطمة- صلوات الله عليها- كما أشير إلى ذلك في زيارتها: “وصل على البتول الطاهرة- إلى قوله- فاطمة بنت رسولك، وبضعة لحمه، وصميم قلبه، وفلذة كبده، والتحية منك له والتحفة”. وفي هذا الاعتزال دليل على جلالة فاطمة سيدة النسوان بما لا يطيق بتحرير بيانه البيان. ولعل تخصيص الرطب والعنب لكثرة بركتها وما يتولد منها من المنافع فإنه ليس في الأشجار ما يبلغ نفعهما، مع أنهما خلقتا من فضلة طينة آدم عليه السلام. ولا يبعد أن يكون في ذلك إشارة إلى كثرة نفع هذه النسلة الطاهرة المباركة وكثرة ذريتها وبركاتها، كما قد نومي إليها إنشاء الله تعالى في محلها.
4- وقال الحاج مولى علي الأنصاري: لما حان وقت حملها نزل جبرائيل بأمر الله تعالى، فأمر رسول الله أن يترك المخالطة مع الناس ويختار الخلوة والعزلة، ويشتغل بعبادة الله سبحانه، ولا يأكل من طعام أهل الدنيا ولو لقمة، ولا يشرب من مياههم ولو جرعة، بل يكون صائما أبدا، ويفطر برطب الجنة أوتينها أو تفاحها إلى أن إنعقد النطفة من طعام الجنة. بعد أن تكون أصل تلك النطفة في ليلة الإسراء بأكل هذه الطيبات، على ما مر في تسميتها بالإنسية الحوراء.
5- عن سلمان الفارسي- رضي الله عنه- قال: دخلت على فاطمة (سلام الله عليها) والحسن والحسين (عليهما السلام) يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وآله، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حبا. فقال: يا سلمان، ليلة أسري بي إلى السماء أدارني جبرائيل في سماواته وجنانه، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها إذ شممت رائحة طيبة فأعجبتني تلك الرائحة، فقلت: يا حبيبي، ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلها؟ فقال: يا محمد، تفاحة خلقها الله تبارك وتعالى بيده منذ ثلاثمائة ألف عام، ما ندري ما يريد بها. فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة. فقالوا: يا محمد، ربنا السلام يقرئ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرائيل. فلما هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التفاحة، فجمع الله ماءها في ظهري، فغشيت خديجة بنت خويلد، فحملت بفاطمة من ماء التفاحة، فأوحى الله عز وجل إليَّ أن قد ولد لك حوراء إنسية، فزوج النور من النور: فاطمة من علي، فإني قد زوجتهما في السماء، وجعلت خمس الأرض مهرها، وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة، وهما سراجا الجنة: الحسن والحسين، ويخرج من صلب الحسين عليه السلام أئمة يقتلون ويخذلون؛ فالويل لقاتلهم وخاذلهم.
6- عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي (عليهم السلام)، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): معاشر الناس، أتدرون لما خلقت فاطمة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية، وقال: خلقت من عرق جبرائيل ومن زغبه، قالوا: يا رسول الله، استشكل ذلك علينا، تقول: حوراء إنسية لا إنسية، ثم تقول: من عرق جبرائيل ومن زغبه! قال: إذا أنبئكم: أهدى إليَّ ربي تفاحة من الجنة، أتاني بها جبرائيل عليه السلام، فضمها إلى صدره فعرق جبرائيل عليه السلام وعرقت التفاحة، فصار عرقهما شيئا واحدا، ثم قال: السلام عليك يا رسول لله، ورحمة الله وبركاته. قلت: وعليك السلام يا جبرائيل، فقال: إن الله أهدى إليك تفاحة من الجنة، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري. ثم قال: يا محمد كلها، قلت: يا حبيبي يا جبرائييل، هدية ربي تؤكل؟ قال: نعم قد أمرت بأكلها. فأفلقتها فرأيت منها نورا ساطعا، ففزعت من ذلك النور، قال: كل، فإن ذلك نور المنصورة فاطمة، قلت:
يا جبرائيل، ومن المنصورة؟ قال: جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة، فقلت: يا جبرائيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة؟ قال: سميت”فاطمة” في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار، وفطموا أعداؤها عن حبها وذلك قول الله في كتابه: “ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله” بنصر فاطمة عليها السلام.
بيان:
الزغب: الشعيرات الصغرى على ريش الفرخ، وكونها من زغب جبرائيل إما لكون التفاحة فيها وعرقت من بينها، أو لأنه التصق بها بعض ذلك الزغب فأكله النبي صلى الله عليه وآله.
7- عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: كيف كانت ولادة فاطمة عليها السلام؟ قال: نعم، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلّمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة من ذلك، فلما حملت بفاطمة عليها السلام صارت تحدثها في بطنها وتصبرها،وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله. فدخل يوما وسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني. فقال لها: هذا جبرائيل يبشرني أنها أنثى وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه. فلم تزل خديجة رضي الله عنها على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ماتلي النساء من النساء، فأرسلن اليها: عصيتنا ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولانلي من أمرك شيئاً.
فاغتمت خديجة لذلك،فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة من نساء بني هاشم. ففزعت منهن، فقالت لها، إحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك: أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفراء بنت شعيب، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ماتلي النساء من النساء. فجلست واحدة من يمينها، والأخرى عن يسارها والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة عليهما السلام طاهرة مطهرة. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة وقنعتها بالآخر، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بشهادة “أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الأنبياء، وأن بعلي سيد الأوصياء، وأن ولدي سيد الأسباط”، ثم سلمت عليهن، وسمت كل واحدة منهن باسمها، وضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليها السلام، وحدث في السماء نور زاهرلم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سميت”الزهراء” عليها السلام، وقالت: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها. فتناولتها خديجة عليها السلام فرحة مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت، فدر عليها. وكانت عليها السلام تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في شهر، وفي شهر كما ينمي الصبي في سنة صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.
8- قيل: بينا النبي صلى الله عليه وآله جالس بالأبطح ومعه عمار ابن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب فناداه: يا محمد، العلي الأعلى يقريء عليك السلام وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحا. فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وكان لها محبا وبها وامقا.
قال: فأقام النبي صلى الله عليه وآله أربعين يوما يصوم النهار ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال: قل لها: يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك “هجرة” ولا قلى، ولكن ربي عزوجل أمرني بذلك لتنفذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلا خيرا، فإن الله عزوجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا، فإذا جنك الليل فأجيفي الباب وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد.
فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله). فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته. قال النبي صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل، وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيته؟ قال: لاعلم لي.
قال: فبينا النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس- أو قال إستبرق- فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله، وأقبل جبرائيل عليه السلام وقال: يا محمد، يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام. فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الإفطار فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي صلى الله عليه وآله على باب المنزل وقال: يا ابن أبي طالب، إنه طعام محرم إلا عليَّ.
قال علي (عليه السلام): فجلست على الباب، وخلا النبي صلى الله عليه وآله بالطعام، وكشف الطبق فإذا عذق من رطب وعنقود من عنب، فأكل النبي صلى الله عليه وآله منه شبعا، وشرب من الماء ريا، ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرائيل، وغسل يده ميكائيل، وتمندله إسرافيل، وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء. ثم قام النبي صلى الله عليه وآله ليصلي، فأقبل عليه جبرائيل وقال: الصلاة محرمة عليـــك في وقتك حـــتى تأتي إلى منــــزل خديجة فتواقعها، فإن الله عزوجل آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة. فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزل خديجة.
قالت خديجة (رضوان الله عليها): وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنتني الليل غطيت رأسي وأسجفت ستري، وغلقت بابي، وصليت وردي، وأطفأت مصباحي، وأويت إلى فراشي. فلما كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا لمتنبهة إذ جاء النبي صلى الله عليه وآله فقرع الباب، فناديت من هذا الذي يقرع حلقة لايقرعها إلا محمد صلى الله عليه وآله؟ قالت خديجة: فنادى النبي صلى الله عليه وآله بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة، فإني محمد.
قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وفتحت الباب، ودخل النبي المنزل، وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهر للصلاة، ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما، ثم يأوي إلى فراشه. فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالإناء ولم يتأهب بالصلاة غير أنه أخذ بعضدي وأقعدني على فراشه وداعبني ومازحني، وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها. فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء ما تباعد عني النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى حسست بثقل فاطمة في بطني.
أقول: يستفاد من هذا الحديث الشريف أمور مهمة وفوائد عظيمة هي دالة على سمو جلالة بضعة خير المرسلين، وعلو منزلة زوجة أفضل الوصيين وأم الأئمة الطاهرين- صلوات الله عليهم أجمعين.
منها نزول جبرائيل (عليه السلام) على صورته الأصلية كنزوله في أول البعثة. ففي “البحار” ج18، ص247: “أن محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان بحراء، فطلع له جبرائيل عليه السلام من المشرق، فسد الأفق إلى المغرب”. ومعلوم أن مجيئه عليه السلام على هذه الهيئة لأمر عظيم. ومنها اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوما في بيت فاطمة بنت أسد- رضي الله عنها- قائما ليله، صائما نهاره، واعتزاله عن الناس وعن زوجته الكريمة خديجة الكبرى سلام الله عليها، كما كان معتكفا ومعتزلا في أول البعثة بحراء. نعم كان اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ لأجل أن يكون متهيئا للنبوة والرسالة، وفي هذا الموقف لكونه متأهبا للتحفة الإلهية التي ستكون منشأ الإمامة والولاية، بل هي عنصر شجرة النبوة، كما جاء عن الباقر عليه السلام. ومنها ترك سنته في إفطاره، من إدخال كل مَن يرد للإفطار، واختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الطعام. ومنها ترك سنته في التطهر عند وروده المنزل للصلاة عند النوم. ولا يخفى أن الترك إنما يكون للأهم، فتفطن.
تحقيق وتبيين
الذي يستفاد من الأخبار والأحاديث التي وصلت إلينا من طريق أهل البيت عليهم السلام أن فاطمة سلام الله عليها ولدت على فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم خلافا لما في بعض كتب العامة، فإليك بعض نصوصها:
1- قال علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث طويل: ولم يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة عليها السلام على فطرة الإسلام إلا فاطمة عليها السلام، وقد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة…
2- عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما.
3- عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ولدت فاطمة في جمادى الآخرة اليوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة أبيها خمساً وسبعين يوماً.
4- قال ابن الخشاب في تاريخ مواليد ووفاة أهل البيت (عليهم السلام) نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام قال: ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوما. أقول: قوله “وقريش تبني البيت” لا تنطبق على نزول الوحي، لأن بناء البيت منهم كان قبل المبعث. ثم في هذا الموقف أخبار تؤكد وتؤيد مضامين تلك الأخبار، وهي روايات تدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم أسري به إلى السماء وأدخل الجنة فتناول من ثمار الجنة، فلما رجع واقع خديجة عليها السلام فتكونت نطفة فاطمة الزهراء عليها السلام من تلك الثمار، ومعلوم أن الإسراء وقعت بعد البعثة بلا خلاف. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقعت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقا ولا أطيب ثمرة، فتناولت ثمرة. من أثمارها فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة، فحملت بفاطمة رضي الله عنها، فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة. وله نظائر أخرى في “ذخائر العقبى” ص36، و”ينابيع المودة” ص127،و”المستدرك” للحاكم، ج3، ص156 و”تاريخ بغداد” ج5، ص87. وبها يتضح لنا عدم صحة الأقوال المعلنة بولادتها عليها السلام قبل البعثة ونزول الوحي بخمس سنين. ويحتمل أن يكون للقائلين بذلك أهداف مشؤومة، منها إنكار الأخبار التي وردت حول انعقاد نطفتها عليها السلام من ثمار الجنة وغير ذلك من الأغراض الفاسدة الكاسدة.
بقي هنا مسألة ينبغي الإشارة إليه وهي أنه يمكن أن يقال: بناء على القول بولادتها (عليها السلام) بعد البعثة يكون عمر أمها خديجة عليها السلام ستين سنة، لأن لها حين الزواج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين سنة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ابن خمس وعشرين سنة، ونزل عليه الوحي في الأربعين، وبعد مضي خمس سنة من نزول الوحي ولدت فاطمة عليها السلام، فيكون سن النبي خمس وأربعون سنة، وسنها ستون سنة، والولادة في هذا السن غريبة. قلنا: هذا أمر طبيعي، لأنها حملت بفاطمة (عليها السلام) في سنة تسع وخمسين من عمرها ووضعتها في سنة ستين منه، وهذا أمر عادي من القرشيات، مع أن في مدة عمرها حين الزواج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقوالاً أخر، وبالالتزام بها تنحسم مادة الإشكال. قال ابن حماد الحنبلي: ورجح كثيرون أنها ابنة ثمان وعشرين وقال البلاذري: تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة وهي ابنة أربعين سنة، وذلك أثبت عند العلماء… ويقال: إنه تزوجها وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وهي ابنة ثمان وعشرين سنة. وفي “البحار” عن ابن عباس وابن حماد مثل ذلك. وفي “المناقب” لابن شهر آشوب: روى أحمد البلاذري وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما والمرتضى في “الشافي” وأبو جعفر في “التلخيص” أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بها وكانت عذراء، يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي “الأنوار” و “البدع” أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة.
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية