تجب في الركعة الأولى والثانية من كل صلاة فريضة كانت أو نافلة, قراءة فاتحة الكتاب وهي سورة الحمد, وفي خصوص الفريضة هل يمكن الاكتفاء ببعض السورة بعد الفاتحة؟.
تعددت أقوال الفقهاء في ذلك , قال العلامة (قدس سره) في المختلف: المشهور أنه يجب على المختار – أي في حال الاختيار- قراءة سورة بعد الحمد في الثنائية والأوليين من الرباعية والثلاثية. وهو اختيار الشيخ في (الجمل) و(الخلاف) و(الاستبصار)، وهو اختيار السيد المرتضى، وابن أبي عقيل، وأبي الصلاح، وابن البراج، وابن إدريس.
وللشيخ (رحمه الله تعالى) قول آخر: إن الواجب الحمد، وأما السورة فإنها مستحبة غير واجبة اختاره في (النهاية)، وهو اختيار ابن الجنيد وسلار.
وقال الشهيد الأول (قدس سره) في الذكرى: ((تجب سورة كاملة في الثنائية والأوليين من غيرها، على المشهور بين الأصحاب. وخالف فيه: ابن الجنيد وسلار والشيخ في النهاية والمحقق في المعتبر، فإنهم ذهبوا إلى استحبابها، فعندهم يجوز التبعيض كما يجوز تركها بالكلية)).
وحكي عن الإسكافي قوله: (ولو قرأ بأم الكتاب وبعض سورة في الفرائض أجزأ). ومال إليه العلامة (قدس سره) في المنتهى ففي مسألة تبعيض السورة قال في آخر كلامه: (لو قيل فيه روايتان إحداهما جواز الاقتصار على البعض، والأخرى المنع كان وجهاً).
وقد حكى الشيخ الطوسي (قدس سره) في الخلاف والعلامة في التذكرة القول بالوجوب عن (بعض أصحاب الشافعي. إلا أنه جوّز بدل ذلك ما يكون قدر آياتها من القرآن)، وفي المغني لابن قدامة (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أنه يُسنّ قراءة سورة مع الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة ويجهر فيه بالفاتحة، ويُسَرُّ فيما يُسرُّ بها فيه، والأصل في هذا فعل النبي (صلى الله عليه وآله). فإن أبا قتادة روى أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطوّل في الأولى ويقصّر في الثانية) إلى آخر الرواية. ثم قال: (متفق عليه) ثم قال: (وقد اشتهرت قراءة النبي (صلى الله عليه وآله) للسورة مع الفاتحة في صلاة الجهر ونقل متواتراً، وأمر به معاذاً فقال: (اقرأ بالشمس وضحاها وبسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى) متفق عليه).
وفي بعض المصادر الحديثة: ((قال الجمهور – غير الحنفية الذين اكتفوا ولو بقراءة آية حال القيام- ركن القراءة الواجبة في الصلاة هو الفاتحة لقوله (صلى الله عليه وآله): (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب). وقوله أيضاً: (لا تجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب) ولفعله (صلى الله عليه وآله). كما في صحيح مسلم، مع خبر البخاري (صلوا كما رأيتموني أصلي). وأما قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة فهو سنة)).
والقول المختار لسماحة الشيخ اليعقوبي هو: أن الأقوى هو قول ابن الجنيد والشيخ الطوسي (قدس الله سريهما) في النهاية والمبسوط. وهو التخيير في الركعتين الأوليين بين قراءة سورة تامة أو بعض سورة بعد فاتحة الكتاب وينبغي أن لا يقل بعض السورة عن ثلاث آيات. والفرد الأفضل هو قراءة سورة تامة لوجوه:-
1- إن عليه سيرة المعصومين (سلام الله عليهم).
2- لكثرة الروايات الواردة في فضل قراءة سورة معينة في الفرائض ولم ترد رواية في فضل قراءة بعض سورة في الفريضة.
3- أن فيه وفاءً لحق السورة كما ورد عنهم (عليهم السلام) في أكثر من رواية (إن لكل سورة حقاً فأعطها حقها من الركوع والسجود) حيث إن لكل سورة غرضاً تستوفيه بتمامها.
4- لأنه أصبح شعاراً للإمامية أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن اتخذت العامة قراءة بعض السورة شعاراً لهم. لإعلان مخالفتهم لأهل البيت (عليهم السلام) رغم اعترافهم بأن السنة قراءة سورة تامة كما نقلنا عنهم.
هذا وقد استهل سماحته البحث بمقدمة استعرض فيها الغرض من تحرير هذه المسألة. قال (دام ظله): غرضنا من تحرير هذا البحث السير ولو خطوة على طريق تفعيل دور القرآن الكريم في حياتنا. واستلهام العلاج منه لجميع قضايانا فيما إذا توصلنا إلى إمكان الاكتفاء بمجموعة من الآيات ولا تشترط قراءة سورة كاملة. لأن الإلزام بقراءة سورة بعد الفاتحة أوجب الاقتصار على عدد محدد من السور تتلى يومياً في الصلاة. مما أدى إلى إهمال سائر السور والآيات القرآنية التي تسمو بها الروح وتُهذَّب بها النفس ويطهر بها القلب. كما أن طول التكرار للسور نفسها أدى إلى عدم التفاعل معها وفي ذلك خسارة كبيرة إلا من حباهم الله تعالى بمعرفته.
أما إذا كان إمام الجماعة يرتل آيات من القرآن الكريم بما يناسب الحال كالموعظة أو تهذيب الأخلاق أو إلفات النظر إلى أيام شريفة كشهر رمضان أو العشر الأول من ذي الحج.ة أو التحشيد لقضية معينة كالحج أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الزواج أو إقامة الشعائر الدينية أو تكريم الشهداء والعلماء. أو التذكير بحكم شرعي غفلت عنه الناس كالوصية أو كفالة اليتيم أوحرمة الغيبة والربا وتطفيف الميزان وسوء الظن والبهتان وغيرها مما تناولها القرآن الكريم. فإنه حينئذٍ نحقق غرض القرآن في كونه شفاء للناس، وفرصة الإنصات والاستماع والتأثر بالآيات الشريفة في الصلاة أفضل من أي فرصة أخرى.
وإلى هذا المعنى أشارت رواية الفضل بن شاذان في الفقيه والعلل والعيون عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: (أمر الناس بالقراءة في الصلاة. لئلا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً وليكون محفوظاً مدروساً فلا يضمحل ولا يجهل وإنما بدأ بالحمد دون سائر السور. لأنه ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد. وذلك أن قوله عز وجل الحمد لله إنما هو أداء لما أوجب الله عز وجل على خلقه من الشكر) الحديث.
انظر موسوعة فقه الخلاف لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) ج/2 , ص103 والصادر عن دار الصادقين 1441 هـ -2020 م.
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية