وجوب الزكاة في النقدين المتداولين في العصور السابقة وهما الدينار الذهبي والدرهم الفضي ثابت قطعاً، وعليه إجماع علماء المسلمين. وقد اقتصر الفقهاء (قدس الله ِأرواحهم) بمن فيهم المعاصرون على وجوب الزكاة في خصوص الدينار الذهبي والدرهم الفضي ولم يتوسعوا بالوجوب إلى العملات الأخرى كالدينار والدرهم الورقيين والدولار والتومان والريال واليورو وغيرها وتركوا البحث والتحقيق في هذه المسألة في كتاب الزكاة، حتى أن السيد الشهيد الصدر (قدس سره) لم يتعرض لهذا البحث في كتابه (ما وراء الفقه) الذي هو ألصق من غيره بمثل هذه الأبحاث واكتفى بحصر الوجوب في الدينار والدرهم القديمين وأصرَّ على عدم الوجوب في غيرهما واعتبر البحث في المسألة بلا موضوع.
نعم , تعرض الشيخ المنتظري للمسألة في بداية البحث عن زكاة النقدين واختار القول بالوجوب,اما العامة فجمهور الفقهاء يرون وجوب الزكاة في الأوراق المالية لأنها حلت محل الذهب والفضة في التعامل ويمكن صرفها بالفضة بلا عسر فليس من المعقول أن يكون لدى الناس ثروة من الأوراق المالية ويمكن صرف نصاب الزكاة منها بالفضة ولا يخرجون منها زكاة، ولذا أجمع فقهاء ثلاثة من الأئمة على وجوب الزكاة فيها وخالف الحنابلة فقط. وفي شرح التاج الجامع للأصول حكى عن المالكية والحنفية وجوب الزكاة فيها وعن الحنابلة والحنفية عدم الوجوب.
وقال بعض أعلامهم: (( بما أن هذا النظام –أي العمل بالعملات الورقية والمعدنية وليس بالذهب والفضة- ظهر حديثاً بعد الحرب العالمية الأولى، فلم يتكلم فيه فقهاؤنا القدامى، وقد بحث فقهاء العصر حكم زكاة النقود الورقية، فقرروا وجوب الزكاة فيها عند جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية)؛ لأن هذه النقود إما بمثابة دين قوي على خزانة الدولة، أو سندات دين، أو حوالة مصرفية بقيمتها ديناً على المصرف.
ولم يرَ أتباع المذهب الحنبلي الزكاة فيها حتى يتم صرفها فعلاً بالمعدن النفيس (الذهب أو الفضة) قياساً على قبض الدين. والحق وجوب الزكاة فيها، لأنها أصبحت هي أثمان الأشياء، وامتنع التعامل بالذهب، ولم تسمح أي دولة بأخذ الرصيد المقابل لأي فئة من أوراق التعامل، ولا يصح قياس هذه النقود على الدين، لأن هذا الدين لا ينتفع به صاحبه وهو الدائن، ولم يوجب الفقهاء زكاته إلا بعد قبضه لاحتمال عدم القبض، أما هذه النقود فينتفع بها حاملها فعلاً كما ينتفع بالذهب الذي اعتبر ثمناً للأشياء، وهو يحوزها فعلاً، فلا يصح القول بوجود اختلاف في زكاة هذه النقود. والقول بعدم الزكاة فيها لا شك بأنه اجتهاد خطأ، لأنه يؤدي في النتيجة البينة أن لا زكاة على أخطر وأهم نوع من أموال الزكاة، فيجب قطعاً أن تزكى النقود الورقية زكاة الدين الحال على مليء، كما هو المقرر لدى الشافعية ويجب فيها ربع العشر)).
والراي المختار لسماحة الشيخ اليعقوبي عدم انحصار وجوب الزكاة في العنوانين (الدينار والدرهم) واحتمل وجوبها في الاوراق المالية بشروط الوجوب في النقدين لذا احتاط في المسألة والوجه في ذلك أن نظر الروايات إلى الدينار الذهبي والدرهم الفضي باعتبارهما النقد الموجود، وإلا فلا خصوصية لهما وموضوع الحكم هو النقد من دون لحاظ كونه من الذهب والفضة إلا من جهة كونها مادة النقد الموجودة يومئذٍ , لكن الفرق بينهما أن الأوراق المالية ليس لها قيمة حقيقية وإنما لها قيمة اعتبارية في نفسها ناشئة من تعهد الحكومة المصدرة للعملة بتسليم ذهب بمقدار قيمتها ، وتتأثر قيمة العملة بعدة عوامل ذكرها الخبراء منها الوضع الاقتصادي للبلد والاستقرار السياسي والثروات الكامنة ومقدار الناتج المحلي وغيرها ’ لذا فان كنزها وعدم مداورتها ليس ككنز الذهب والفضة.
ولم يعد النظام النقدي القائم على خزن ودائع من الذهب بقيمة العملة الصادرة من البنك متداولاً، لذا لا تجد أسعار العملات ثابتة بالنسبة إلى الذهب كما كانت قبل الحرب العالمية الثانية مثلاً, وعلى اي حال فالاحتياط استحبابي إن نصاب العملات الورقية يتحقق ببلوغ نصاب الذهب لأنها من زكاة النقدين.
انظر موسوعة (فقه الخلاف) لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) ج/5 , ص 347 , والصادر عن دار الصادقين 1441 هـ / 2020م.