الولادة: ولد الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) يوم الاثنين في السابع عشر من شهر ربيع الأول في المدينة المنورة سنة 83هـ.
الشهادة: استشهد الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) في شهر شوال سنة 148ه، بالعنب المسموم الذي أطعمه به المنصور ولم يعين اليوم، وقيل الخامس والعشرين منه، وهو ابن خمسة وستين سنة، مقامه مع جده اثنتي عشرة سنة، ومع أبيه تسع عشرة سنة.
مدة الإمامة: أربعاً وثلاثين سنة.
ألقابه: الفاضل، الطاهر، الصادق.
كنيته: أبو عبد اللَّه وأبو إسماعيل.
نقش خاتمه: ( اللَّه خالق كل شيء)، ( رب يسر لي أنت ثقتي، فقني شر خلقك)، ( اللَّه ولي وهو عصمتي من خلقه)، ( ما شاء اللَّه لا قوة إلا باللَّه استغفر اللَّه)
مدفنه: المدينة المنورة البقيع.
تمهيد
يعتبر عهد الإمامين الباقر والصادق (عليه السلام) عهد الانفراج الفكري لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) طبعاً قياساً للعهود السابقة التي مرت بها الأمة الإسلامية، وأسباب هذا الانفراج كثيرة، أهمها ضعف وانهيار الحكم الأموي سنة 132ه. وبداية ضعيفة لدولة بني العباس. ومن الطبيعي أن ينشغل الحكام عن رموز أهل البيت (عليهم السلام). لذلك كان الإمام (عليه السلام) بعيداً عن المواجهة السياسية العلنية. ولذا سمُي هذا العصر بعصر انتشار علوم آل محمد صلى الله عليه وآله.
“وكان فضلاء الشيعة ورواتهم في تلك السنيين آمنين على أنفسهم مطمئنيين متجاهرين بولاء أهل البيت عليهم السلام معروفين بذلك بين الناس، ولم يكن للأئمة عليهم السلام مزاحم لنشر الأحكام، فكان يحضر شيعتهم مجالسهم العامة والخاصة للاستفادة من علومهم”.
وفي عصر الإمام بدء عصر ترجمة الكتب إلى العربية من الديانات والفلسفات المختلفة كاليونانية، والهندية، والفارسية، والعبرية، و…، ونشأ العديد من التيارات والمذاهب، وقد تصدى عليه السلام لذلك كله.
قال بعض المحققين:” أما مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتى إن من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها تضاف إليه وتروى عنه”.
قال كمال الدين محمد بن طلحة: “هو أي الإمام الصادق عليه السلام من عظماء أهل البيت (عليهم السلام) وساداتهم (عليهم السلام)، ذو علوم جمة وعبادة موفورة وأوراده متواصلة وزهادة بينة وتلاوة كثيرة يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجائبه ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه رؤيته تذكر بالآخرة واستماع كلامه يزهد في الدنيا والاقتداء بهداه يورث الجنة نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة وطهارة أفعاله، تصدع بأنه من ذرية الرسالة نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمة وأعلامهم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريح ومالك بن أسد والثوري وابن عيينة وأبي حنيفة وأيوب وغيرهم وعدوا أخذهم منه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوه”.
إذن قد شهد القاصي والداني والمؤالف والمخالف أن الإمام صاحب المقام العلمي الرفيع الذي لا ينازعه أحد. حتى توافدت كلمات الثناء والإكبار والاعجاب عليه من قبل الحكام، وأئمة المذاهب، والمؤرخين وأصحاب السير…، وقد أجمع العلماء مثل: المفيد، والطبرسي، والفتال النيسابوري، والشهيد الثاني، وابن شهر اشوب، وغيرهم أنه نقل عن الإمام من الروايات ما لم ينقل عن أحد غيره.
الحالة السياسية وثورة زيد
زيد بن علي عليه السلام، أحد الثوار الكبار في عصره وهو عم الإمام الصادق عليه السلام، وحينما صمّم على الثورة جاء إليه جابر بن يزيد الجعفي يسأله عن سبب تصميمه على الثورة، ويخبره بأنه لو خرج يُقتل.
فقال زيد لجابر:” يا جابر لم يسعنِ أن أسكت وقد خولف كتاب اللَّه وتحوكم بالجبت والطاغوت، وذلك أني شاهدت هشاماً ورجل عنده يسب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقلت للسابّ: ويلك يا كافر أما أني لو تمكنّت منك لاختطفت روحك وعجّلتك إلى النار.
فقال: لي هشام، مَه جليسنا يا زيد.
قال زيد لجابر: فواللَّه لو لم يكن إلا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتى أفنى”.
ومن هنا فجر زيد ثورته المباركة، وبعد شهادته أمر هشام بصلب جثمانه الطاهر على باب دمشق ثم أرسل جثمانه إلى المدينة، فنصب عند قبر النبي صلى الله عليه وآله في سنة 121ه.
أما موقف الإمام (عليه السلام) من عمه زيد فكان الإمام (عليه السلام) في مواقف عديدة يتبنى الدفاع عن عمه ويترحم عليه ويوضح منطلقاته وأهدافه ويرسخّ في النفوس مفهوماً إسلامياً عن ثورته، حيث يعتبر هذه الثورة جزء من حركته المباركة.
عن الفضيل بن يسار حيث يقول: ذهبت إلى المدينة بعد قتل زيد لألتقي بالإمام الصادق عليه السلام وأخبره بنتائج الثورة، وبعد أن التقيته وسمع منيّ ما دار في المعركة قال عليه السلام :
يا فضيل شهدت مع عمي قتال أهل الشام؟
قلت: نعم.
قال عليه السلام : كم قتلت منهم؟
قلت: ستة.
وقال عليه السلام : فلعلّك شاكٌ في دمائهم؟
قال: فقلت: لو كنت شاكاً ما قتلتهم.
ثم قال: سمعته وهو يقول:” أشركني اللَّه في تلك الدماء. مضى واللَّه زيد عمي وأصحابه شهداء، مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب وأصحابه”.
كيفية مواجهة الإمام عليه السلام للتيارات المنحرفة
إن من أبرز المشاكل التي واجهت أهل البيت عليهم السلام ظاهرة الغلو التي تشكلت كتيارات ومذاهب بشكل قوي في زمن الإمام الصادق (عليه السلام) وإن كانت طلائعها ظهرت قبل ذلك بكثير في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فما المقصود من الغلو؟
معنى الغلو:
الغلو في اللغة هو تجاوز الحد، وكان يطلق كاصطلاح على الأشخاص الذين تجاوزوا الحد في الأئمة (عليهم السلام) فرفعوهم عن البشرية ونسبوهم للألوهية.
ظهور الغلو:
كما قلنا فإن ظاهرة الغلو بدأت في زمن أمير المؤمنين عليه السلام، وهناك عدة أحداث تاريخية تنقل في ذلك، من هذه الأحداث:”مر علي عليه السلام بقوم يأكلون في شهر رمضان نهاراً، فقال لهم: أسفر أم مرضى؟ قالوا: لا ولا واحدة. فقال: فمن أهل الكتاب أنتم تعصمكم الذمة والجزية؟ قالوا: لا.
قال: فما بال الأكل في شهر رمضان؟ فقاموا إليه وقالوا: أنت أنت(يومئون إلى الربوبية). فنزلعليهم السلام عن فرسه فألصق خده في الأرض، وقال: ويلكم إنما أنا عبد الله وأخو رسوله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام، فأبوا، فدعاهم إلى الإسلام مراراً فأقاموا على كفرهم، فنهض إليهم وقال: شدوهم وثاقاً وعليّ بالفعلة والنار والحطب، ثم أمر بحفر بئرين فحفرتا، إحداهم سرباً والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحاً وألقى النار في الحب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام فأبوا، فأمر بالحطب والنار فألقي عليهم فأحرقوا”.
ولكن الغلو لم يتوقف وينتهي بل ظل يظهر بين مناسبة وأخرى، حتى صار فرقاً عديدةً في زمن الإمام الصادق عليه السلام .
أهداف المغالين وأساليبهم
هناك رواية للإمام الصادق عليه السلام يبين فيها أهداف المغالين وأساليبهم، يقول عليه السلام :” إن الناس قد أولعوا بالكذب علينا وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير وجهه، وذلك أنهم كانوا لا يطلبون بأحاديثنا ما عند الله وإنما يطلبون الدنيا، وكلٌ يحب أن يكون رئيس”.
ففي هذه الرواية يذكر الإمام الصادق عليه السلام الأهداف الحقيقية لرؤساء المغالين:”إنما يطلبون الدنيا وكلٌ يحب أن يكون رئيساً”.فكانوا يطلقون العنان لغلوهم لاستقطاب سفهاء الناس وبسطائهم ليترأسوا عليهم ويحصلوا على جاه وأتباع.
وأما وسائلهم فقد:
أولاً:” أولعوا بالكذب علين”.
أي أنهم كان يؤلفون الروايات التي تتضمن الغلو وينسبونها للإمام كذباً وزوراً ومن هؤلاء المغيرة بن سعيد يقول الإمام الصادق عليه السلام :” إن المغيرة بن سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها”.
وثاني:” إني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوله على غير وجهه”.
أي أنهم يأخذون الحديث الذي قاله الإمام ولكنهم يزورون معنى الحديث ومقصود الإمام عليه السلام ، وهناك العديد من النماذج كالرواية التي يسأل فيها أحدهم الإمام عليه السلام : يا ابن رسول الله، قد بلغنا عنك أنك قلت: إذا عرفتم فاعملوا ما شئتم.
فقال عليه السلام :” إني قلت فاعملوا من الطاعات ما شئتم فإنه يقبل منكم”.
كيف واجههم الإمام الصادق عليه السلام
لقد واجه الإمام عليه السلام حركة الغلو بكل قوة وبكل الوسائل المتاحة، ومن الطرق التي اتبعها:
1 – البراءة منهم:
كان الإمام يتبرأ في كل مناسبة من المغالين ومن رؤسائهم ويذكر بالإسم ويؤكد على لعنهم والبراءة منهم، راداً بذلك كل ادعاءاتهم الكاذبة التي يصورون بها ارتباطهم بالإمام عليه السلام ، ومن ذلك قوله عليه السلام في حقهم عندما سأله سدير الصيرفي عنهم:” يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء، برء الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ودين ابائي، والله لا يجمعني وإياهم يوم إلا وهو عليهم ساخط”.
وهكذا كان موقفه عليه السلام من بشار الشعيري الذي أظهر الغلو في علي عليه السلام وكان يسكن الكوفة، حيث قال الإمام الصادق عليه السلام لمرازم بن حكيم:” يا مرازم إن اليهود قالوا ووحدوا الله وإن النصارى قالوا ووحدوا الله وإن بشاراً قال قولا عظيما فإذا قدمت الكوفة فأته وقل له يقول لك جعفر بن محمد: يا فاسق يا كافر يا مشرك، أنا بريء منك”.
2- خطورتهم وضرورة عزلهم:
عن الإمام الصادق عليه السلام:” والله ما الناصب لنا حرباً بأشد علينا مؤونة من الناطق علينا بما نكره وبما لم نقله في أنفسن”.
وهناك العديد من الروايات التي يظهر فيها الإمام عليه السلام مقدار الأذى الذي تعرض له من أهل الغلو ونسبته للإلوهية!
وأكد الإمام عليه السلام على الشيعة ضرورة عزل المغالين، فعن المفضل بن يزيد يقول: قال لي أبو عبد الله الصادق عليه السلام وقد ذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة:” يا مفضل لا تقاعدوهم ولا تواكلوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم”.
وعنه عليه السلام :” احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم فإن الغلاة شر خلق الله، يصغّرون عظمة الله ويدّعون الربوبية لعباد الله، والله إن الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركو”.
3 – وضع الموازين الشرعية التي تمنع من الغلو:
لقد وضع الإمام الصادق عليه السلام الموازين التي من خلالها يمكن للمؤمن أن يميز الأفكار الصحيحة عن غيرها، يقول عليه السلام :” اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسن”.
فعلينا أن لا نتجاوز الأئمة عليهم السلام وننسب لهم ما لم يقولوه في أنفسهم، ثم يجب تمييز الروايات الصحيحة من الموضوعة والتفسير الصحيح من الزائف، يقول عليه السلام :” ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل”.فيجب عرض الاحاديث على القران الكريم، فكل ما خالف كتاب الله فهو باطل.
الخلاصة
1 – في عهد الإمام الصادق عليه السلام انهار الحكم الأموي سنة 231 ه وانتقل إلى بني العباس، وقد استفاد الإمام عليه السلام من هذه الظروف لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة.
2 – قام زيد بن علي بثورته التي استشهد على أثرها، وكان الإمام عليه السلام مؤيداً لزيد وثورته.
3 – ظهر الغلو كتيار بارز له أتباعه، وكان هدف زعمائهم طلب الدنيا والرئاسة، وكانوا يكذبون على لسان الأئمة عليهم السلام فيضعون أحاديث غير صحيحة أو يحرفون الروايات عن معناها الصحيح.
4 – واجه الإمام عليه السلام المغالين بالبراءة منهم وإظهار خطورتهم وضرورة عزلهم عن المؤمنين ووضع الموازين الشرعية التي تمنع من الوقوع في الغلو.
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية