قال تعالى: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) الشورى: ٢٣
روي أبي جعفر ع في قوله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)، قال: هم الأئمة.
الكافي، الكليني ، ج١ ، ص : ٣٤٢
الكلام في المودة في نقاط :
اولا : الفرق بين المحبة والمودة
المحبة والحب : هو انفعالٌ وعاطفةٌ تجيش في الصدور، وقد تكون المحبة موجودة لكنها لا تظهر.
المودة : هي سلوكٌ يترجم هذا الحب في قولٍ او عمل، وهي
محبةٌ خالصةٌ مقرونةٌ بعملٍ يظهرها ويجليها ، بحيث يتودد ذلك المحب لما يظهر محبته فيسمى شخصاً ودودا .
ثانيا : اتفق المسلمون على وجوب محبة أهل البيت عليهم السلام، لورود الأحاديث الكثيرة الصحيحة الحاثة على لزوم محبتهم سلام الله عليهم.
منها: ما أخرجه الترمذي وحسنه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبَّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
( الجامع الصحيح للترمذي، ج5، ص : 600 ، ح : 3733)
ومنها: ما أخرجه الترمذي وحسنه بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي بحبي.
( الجامع الصحيح للترمذي، ح : 3751)
ثالثا : هذا الحب هنا ليس قهرياً ، لأن الأسباب التي تسببه واضحة وجلية وراكزة ، ويعلم بها كل مسلم ، وهي أن أهل البيت ع مرضيون عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وآله، فإن ذلك سبب كاف لمحبتهم ومودتهم ، فلعل النبي صلى الله عليه وآله قد أراد بحثه المسلمين على محبة أهل البيت عليهم السلام أن ينشئ فيهم سبب المودة لهم، والتي من موجباتها احترامهم، ووصلهم . وتعظيم شأنهم وعدم التجاوز عليهم وإيذائهم، بسب، أو ضرب، أو قتل، أو محاربة، أو ما شاكل ذلك من الجهتين ( الوصل وعدم الإيذاء).
رابعا : المودة صبر وتضحية
يشير بعض الأعلام إلى وجه (انظر: معطيات آية المودة للسيد محمود الهاشمي قدس، ص : 15) ، يقتضي تسمية مودة قربى النبيّ (ص) أجراً للرسالة، وهو أنّ هذه المودة التي أمر بها الناس تجاه الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته ع ، قد تكلّف هؤلاء الناس ثمناً باهظاً، بل إنّ موالاة أهل البيت ع ومودتهم قد كلّفتهم فعلاً الكثير من المعاناة والآلام والتضحيات، ولذلك سمّيت أجراً. فأجر الرسالة هو في هذا العناء والجهد الذي يترتب على مودتهم ع ، وفي هذا الأذى والصبر في مواجهة التحديّات والصعاب التي ستعترض المسلم المتّبع لنهج النبيّ صلّى الله عليه وآله، والموالي لأهل بيته ع.
خامسا : المودة تعبير حركي عن الحب
نقرب المعنى بمثال :
قد يكون لك صديق يحبك ، ويكن لها المشاعر الطيبة والنبيلة، لكن هذا ليس كافٍيا لتقوية هذه المشاعر ، وإدامة حيويتها النفسية والروحية تجاهك، إذا لم يخرج حبه لك من المشاعر الصامتة إلى المشاعر الحركية، فيكون حبه لك حبا حركيا ، فيتواصل معك دورياً ، ويتلمس احوالك، فيسمى عندئذ ودودا.
فالمودّة بما تستبطنه من الاندفاع العملي ، والتواصل الخارجي، فهي المودّة المطلوبة تجاه ذوي القربى من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله ، فهي ليست انفعالات عاطفية عابرة تقف عند حدود المشاعر، بل هي عبارة عن حبّ حركيّ يدفع الإنسان المؤمن ليجسّد مشاعره على أرض الواقع ويحوّلها إلى موالاة حقيقية.
وما شعائرنا السنوية في محرم وصفر وَزيارتنا في أربعينية شهادة الإمام الحسين ع الا صورة جلية للحب الحركي، و الموالاة العملية التي تنتقل فيها المشاعر من القلب الى التجسيد العملي بكل ما يحمله من دلالات.
سادسا : المودة تبني و تجدد العلاقة مع القيادة المعصومة
……………………..
إنّ للمودّة دوراً هاماً في بناء وإدامة وتجدد علاقة الإنسان المؤمن مع قيادته المعصومة ، لأنها _ اي المودة _ أدعى للتفاعل معها واستلهام مواقفها والاقتداء بهديها.
وقد حثّ الإسلام فيما ورد في الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله على هذا التفاعل العاطفي العملي مع القيادة المعصومة في حياتها ، وحتى بعد وفاتها.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله : إنما مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في لجة البحر، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت، ألا هل بلغت؟ قالها ثلاثا)
( البحار، المجلسي، ج ٢٣، ص :١٢١)
الشيخ عمار الشتيلي
البصرة الفيحاء
حسينية خديجة الكبرى
١ _ محرم ١٤٤٤ هج