ذكر الشيخ المفيد (ره) في الإرشاد الجزء الأول صفحة 334 – 335 ما نصه:((ومن ذلك – من معاجز أمير المؤمنين عليه السلام – ما رواه أهل السيرة، واشتهر الخبر به عند العامة والخاصة، حتى نظمته الشعراء، وخطبت به البلغاء، ورواه الفقهاء والعلماء، من حديث الراهب بأرض كربلاء والصخرة، وشهرته تغني عن تكلف إيراد الإسناد له.
وذلك أن الجماعة روت: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لما توجه إلى صفين، لحق أصحابه عطش شديد ونفد ما كان معهم من الماء، فأخذوا يميناً وشمالاً يلتمسون الماء، فلم يجدوا له أثراً، فعدل بهم أمير المؤمنين عن الجادة وسار قليلاً فلاح لهم دير في وسط البرية فسار بهم نحوه، حتى إذا صار في فنائه أمر من نادى ساكنه بالاطلاع إليهم فنادوه فاطلع، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: “هل قرب قائمك هذا ماء يتغوث به هؤلاء القوم ؟ “فقال: هيهات، بيني وبين الماء أكثر من فرسخين، وما بالقرب مني شئ من الماء، ولولا أنني أوتى بماء يكفيني كل شهر على التقتير لتلفت عطشاً، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : “أسمعتم ما قال الراهب؟ ” قالوا : نعم، أ فتأمرنا بالمسير إلى حيث أومأ إليه لعلنا ندرك الماء وبنا قوة؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ” لا حاجة بكم إلى ذلك، ولوى عنق بغلته نحو القبلة وأشار لهم إلى مكان يقرب من الدير فقال: “اكشفوا الأرض في هذا المكان” فعدل جماعة منهم إلى الموضع فكشفوه بالمساحي، فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع، فقالوا : يا أمير المؤمنين، هنا صخرة لا تعمل فيها المساحي، فقال لهم: ” إن هذه الصخرة على الماء فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء، فاجتهدوا في قلبها “فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا واستصعبت عليهم. فلما رآهم عليه السلام قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في قلع الصخرة فاستصعبت عليهم، لوى عليه السلام رجله عن سرجه حتى صار على الأرض، ثم حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحركها، ثم قلعها بيده ودحا بها أذرعا كثيرة، فلما زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء، فتبادروا إليه فشربوا منه، فكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه، فقال لهم : “تزودوا وارتووا” ففعلوا ذلك ثم جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت، وأمرأن يعفى أثرها بالتراب)) ، ثم ذكر هذا الرواية تبعا للشيخ المفيد (ره)الكثير من العلماء.
ويلاحظ ما يلي:
1- إنَّ كل من تأخر عن الشيخ المفيد (ره) أخذها منه أخذاً مسلماً.
2- بحسب الميزان العلمي ما ذكره الشيخ المفيد يكون مرسلاً؛ لأنه لم يذكر لنا الأسناد، فلا تكون حجة من هذه الناحية.
3- لو سلمنا وقلنا بما قاله الشيخ المفيد بأن الشهرة كافية، ولا نحتاج للأسناد، كما أن هذا الأمر ليس بعيداً عن معاجز أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهذا يعني أنه (عليه السلام) أعاد الصخرة مكانها بحسب الرواية ثم عفي عليه التراب، أي أن مكان العين مجهول لا يعرفه أحد، لا سيما أن رواية أخرى تقول: بعد أن غادر أمير المؤمنين (عليه السلام) العين أعاد أصحابه لها فلم يصيبوا العين، و التي ذكرها القمي في كتابه منتهى الآمال الجزء الثاني صفحة 430 بقوله: ((وفي رواية أخرى عن بعض الأصحاب قال : فسرنا قليلا وقد علم كلّ واحد من الناس مكان العين فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : بحقّي عليكم الّا رجعتم إلى موضع العين فنظرتم هل تقدرون عليها فرجع الناس يقفون الأثر إلى موضع الرمل فبحثوا ذلك الرمل فلم يصيبوا العين)).
فهذا يعني أن العين مجهولة، بل بناءً على ما تقدم نقطع بأنها مجهولة، فكيف عرفها القوم الآن، وأنى لهم ذلك، مع أن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذين شربوا منها، لم يجدوها عندما رجعوا اليها، وهل يوجد عند القوم الآن دليل على نسبتها لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟
4- الظاهر أن القوم يعتاشون عليها، وحالوا جاهدين ترسيخ ذلك في أذهان العامة، لهذا السبب.
5- إذا صح ما نقل أن هناك انابيب للماء وضعت أسفل التلال المحيطة بالقطارة لاستمرار خروج الماء منها، فهذا يعني:
أ- ايهام الناس أن الماء مستمر فيها، وهذا تدليس، وما يؤخذ من المال مقابل ذلك يكون سحتاً
ب- هذا هو أحد الأسباب، أو ربما السبب الرئيس في انهيار التلة المجاورة.
فهل يخاف القوم الله في الأبرياء؟
الأستاذ في الحوزة العلمية الدكتور الشيخ وراد النصر الله
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية