للإمام المهدي (عليه السلام) شكوى وأعتقد أن أيام زيارة الأربعين في السنوات الأخيرة، ليست مشمولة بهذه الشكوى!!
سبق وأن كتب المرجع اليعقوبي خطاباً عنونه (شكوى الإمام من عدم اجتماع قلوب شيعته)[ 1 ] وكان محور خطابه فقرة من رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) للشيخ المفيد (رضوان الله عليه) وهي:
(ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيدنا البشير محمد وآله الطاهرين وسلم).
فمن بين ما علق سماحته قوله:
فهل يعلم اتباع الحق المنتظرون لظهور إمامهم والتواقون لرؤية طلعته المباركة والذين يتضرعون ليل نهار إلى الله تبارك وتعالى ليقرب يومه الموعود حتى يعيد البسمة إلى المظلومين والمحرومين ويقيم دولة الحق والعدل ويقصم ظهر الطغاة والمستكبرين والمجرمين، أقول هل يعلمون أنهم يؤخرون كل تلك البركات بما يعيشون بينهم من حالة التنافر والشحناء والتقاطع والعلاقات المتشنجة التي برزت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة حين وجدت فرص الوصول إلى المواقع السياسية -أي المناصب على اختلاف مراتبها- والدينية كإمامة المساجد والجمعات أو الوكالة عن المرجعية في مدينة ما والاجتماعية كزعامة العشائر أو الوجاهة لدى الناس فاشعل التنافس غير الشريف والتزاحم على هذه المواقع نار الحسد والبغضاء مما يدفع صاحبها إلى الكيد للآخر وتسقيطه في المجتمع وتشويه صورته وتنفير الناس منه؛ ومهما حاول صاحبها أن يبررها بأسباب مقنعة كوجود مصلحة دينية ونحوها بقوله تعالى فانه يغالط نفسه….
وفي طيات الخطاب ذكر سماحته أسباب هذا التقاطع والتنافر وأرجعه إلى سبب رئيسي واحد وهو حب الدنيا الذي تجلى بصور عديدة ولا يكاد ينجو إنسان من شكل من أشكاله كالثراء والازدياد من المال أو فتنة النساء أو حب الجاه والزعامة حتى يسقط في داء آخر، لذا يشبه الأخلاقيون الدنيا بالتنين الذي كلما قطع رأس له ظهرت له عدة رؤوس.
وذكر سماحته أن التخلص من هذا الداء هو من خلال التمسك بالدين الحنيف خاصة وأن ديننا فيه رصيد عظيم من الأحاديث الشريفة والتعاليم الإنسانية السامية …
وذكر سماحته الأمور التي تساهم في القضاء على حالة التقاطع والتنافر وتساهم في اجتماع القلوب ومن هذه الأمور:
الاهتمام بقضاء حوائج المؤمنين واعانتهم وحسن العلاقة مع الآخرين ووجوب ستر عيوبهم والإكثار من الأصدقاء والأخوة في الله تعالى والعفو عن إساءة الآخرين والتراحم والتعاطف بين المؤمنين ومصافحة المؤمنين وحرمة إهانة المؤمن …
وذكر سماحته أن حالة التقاطع والتنافر حالة منكرة “تتسبب في عدة كبائر وخسائر:
أنها تضعف الأمة وتبدد قواها وتشغلها بأمور وهمية وتضيع وقتها الثمين الذي نحتاج كل دقيقة منه قال تعالى: [وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال:46).
توقع صاحبها في معاصي تستلزمها كالغيبة والبهتان وإهانة المؤمن وتشويه صورته وتسقيط سمعته.
أنها تنغص حياة الشخص وتسلبه صفو معيشته وسعادته كما ورد في مناجاة الإمام السجاد (فإن الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرةً لصفو المنائح والمنن) لذا كان أهم النعم التي يتفضل بها الله تبارك وتعالى على أهل النعيم إزالة هذه المنغصات من القلب [ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ] (الأعراف:43)
أنها تمكن الأعداء من الأمة وتفتح ثغرات في جسدها يخترقها العدو، وها نحن نشهد كيف أننا أكثرية في هذا البلد إلا أننا أصبحنا نهباً للأعداء يطمع فينا الوضيع والدنيء.
إنها تعيق تقدم حركة المشروع الإسلامي وتؤخر عملية التمهيد لليوم الموعود.
أرأيتم إن الانسياق وراء الأهواء والأنانية وعدم الالتزام بتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) في التحابب والتآلف والعفو والصفح وصفاء القلوب كيف توصل إلى هذه النتائج الوخيمة.”
وبفضل سبحانه وتعالى أن أيام زيارة الأربعين تشهد نبذ كل الصفات التي تعكر صفو العلاقة ما بين أبناء الإسلام وتشهد تجسيدا لكل الصفات والأخلاق الحسنة التي تزيد في اجتماع القلوب وتوحدها … وهذا مما لا شك يسر الإمام المهدي (عليه السلام) ويعجل في ظهوره الذي يمتناه كل زائر وكل مسلم فلو تمسكنا بهذه الأخلاقيات طوال أيام السنة فمما لا شك فيه أن الإمام المهدي (عليه السلام) سيظهر ويتعم بركة ظهوره وقيام دولته العالم أجمع وأسعد الناس به هم أهل العراق لما يلاقونه من معاناة وصعاب قبل ظهوره المبارك …
فلنتمسك أحبتي بهذه الأخلاق الفاضلة التي نجسدها في زيارة الأربعين طوال أيام السنة لتبقى قلوبنا مجتمعة وموحدة وأن لا نفرط بها مهما كان الثمن لأن الثمن اجتماعها ووحدتها عظيم وينتظره كل محب وموالي وهو قول الإمام المهدي (عليه السلام): (ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا).
السلام على الحسين
وعلى أولاد الحسين
وعلى أصحاب الحسين
والسلام على زوار الحسين وخدام زواره وجميع من أحب عملهم ورحمة الله وبركاته
المصادرـــــــــ
[ 1 ] خطاب المرحلة ج4 ص229.
النص الكامل للخطاب على الرابط التالي: https://yaqoobi.com/arabic/index.php/permalink/2365.html
محمد النجفي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية