١. الوقفة الأولى
((عظم الخسارة))
يجب أن يستشعر الإنسان المسلم عظم الخسارة التي منيت بها الأمة الإسلامية بفقد النبي الخاتم (صلوات الله وسلامه عليه وآله)، ويأتي الشعور بعظم الرزية بمعرفة عظم الشخصية التي فقدتها الأمة ولا يعرف الإنسان عظم تلك الشخصية إلا من خلال معرفة السيرة العطرة له (عليه الصلاة والسلام)، حيث إن حياته منذ ولادته (عليه السلام) إلى يوم وفاته كانت محطات عطاء ورحمة تنبض بالخير لجميع الناس وتخرجهم من البهيمية المحضة إلى رياض الخير والعمل الصالح.
وكذلك يجب معرفة انتهاء الوحي الإلهي بموته (صلى الله عليه وآله)، وبالتالي فقدت الأمة أهم وأقوى وسائل التسديد والترشيد لعملها عبر الوحي الإلهي المباشر، وكذلك الخسارة الثالثة تتمثل بفقدان القائد الموحد للأمة بمركزية الحق والصلاح والإرشاد والذي كان أساساً لوحدتها وانتصاراتها بل ونهضتها واستنقاذها من التشتت والهمجية إلى الدولة والحضرية المدنية، فكانت تلك الخسارات الثلاث (السيرة و الوحي و القائد) خسارات لا تعوض إلا بثبات الأمة على نهج ووصايا هذا القائد العظيم.
٢. الوقفة الثانية
((أحداث الوفاة))
لا ينبغي لأي مسلم ترك التدقيق في أحداث وفاة النبي الخاتم (صلوات الله وسلامه عليه وآله) لما لها من أهمية في كونها تعطينا دروساً مهمة في ما يجب على المؤمن عمله في آخر أيامه من وصية أو براءة ذمة أو إرجاع حقوق، وهذا ما فعله (عليه الصلاة والسلام)، وهو الكريم الأكرم والذي كان صاحب الفضل الأعظم ولكنه من حنوه ورحمته طلب براءة الذمة من قومه، ولا تنسى حادثة القضيب الممشوق والذي أراد من أحد الصحابة أن يقتص منه به لضربه في بطنه بغير قصد منه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن صعد المنبر وقال: إن ربي عز وجل حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم فناشدتكم بالله أي رجل منكم كانت له قبل محمد مظلمة إلا قام فليقتص منه، فالقصاص في دار الدنيا أحب إلي من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والأنبياء.
وكذا وصاياه بالصلاة وباهل بيته خيراً وبالمؤمنين جميعاً وآخر وصاياه بأن يكتب لهم كتاباً يضمن لهم عدم الضلال بعده وغيرها من الأحداث، التي لا ينبغي إغفالها أو إهمالها، لكونها دروس عملية لسيرة لا بد من السير بها.
٣. الوقفة الثالثة
((فقدان القائد ومشروع القيادة النائبة))
من أهم الأمور التي تأتي إلى عقل وذهن أي إنسان بمجرد سماعه عن موت قائد كبير أو ملك عظيم أو رئيس دولة أو مصلح كبير هو السؤال عمن يخلفه في هذه المهام العظيمة التي كانت على القائد، وهذا أمر فطري ومتسالم عليه بين جميع القادة عبر التأريخ، بل وأنه صار من لوازم القيادة التهيئة للقيادة البديلة.
فنرى الأمر واضحاً في الملوك وفي الرؤوساء وفي قادة الكنسية البابوية وفي سيرة الأنبياء (عليهم السلام) حيث أنهم يوصون ويثبتون بشكل غير مشكوك وبلا مواربة القيادة البديلة، ويحاول الملوك أخذ البيعة لهم قبل وفاتهم أو إعلان آلية الوصول للقائد بشكل لا تقع معه الأمة في الشك والتردد والتفرق كما يحصل في البلدان الرئاسية.
وكذلك هذا ما كان منه صلوات ربي عليه إذ كانت آخر لحظاته هي طلب قرطاس ودواة لكتابة هذا الكتاب المهم للأمة فيمن يخلفه عليهم بعد أن بين الأمر علناً عشرات المرات في غدير خم وفي يوم الدار وفي آية براءة وتبليغها، ولكنه (عليه الصلاة والسلام) أراد في آخر لحظاته حيث أن قلوب كل أهل بيته وصحابته تتجه نحو ما يلفظ به فمه أو ما تخطه يمينه فأراد وضع اخر بصماته في وصف تلك القيادة الربانية التي تضمن للأمة عدم التشتت والتفرق بعده وتضمن استمرار طريق القائد، ولكن للأسف حيل بين رسول الله (صلى الله عليه وآله )وبين كتابة هذا الكتاب حتى عد عبدالله بن عباس رضي الله عنه هذا الأمر بأنه رزية الرزايا حيث منع عمر بن الخطاب من كتابة هذا الكتاب حيث ورد في صحيح البخاري – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب كراهية الخلاف الجزء : ( 8 ) – رقم الصفحة : ( 161 ) رقم الحديث 6932 – حدثنا : إبراهيم بن موسى ، أخبرنا : هشام ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : لما حضر النبي (ص) ، قال : وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال : هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ، قال عمر : أن النبي (ص) غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله. انتهى
فالسلام عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم قمت بحمل الرسالة ويوم أوصيت بالقائد بعدك ويوم رجعت إلى ربك راضياً مرضياً فجزاك الله تعالى عنا وعن جميع المسلمين خير الجزاء وأعطاك الدرجة الرفيعة والوسيلة والمقام المحمود وجعلنا الله تعالى فيمن تشملهم شفاعتك واهل بيتك عليهم السلام يوم القيامة
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
د. وائل الشهابي
ليلة ٢٨ صفر ١٤٤٤هج
ليلة وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية