طاعة القيادة الحقة ميزان يعرف به الشجاع من الجبان!
عندما نقلب صفحات التاريخ نجد بعض الحوادث تثبت لنا أن الطاعة للقيادة الحقة ميزان يعرف به الشجاع من الجبان، حيث نجد الذي يطيع القيادة الحقة تجده شجاعاً في المواقف على عكس من تجده دائماً يشكك في قراراتها أو يشكل عليها أو يستهزئ بها، فهذا تجده جبانا عند المواقف التي تتطلب الشجاعة …
سأذكر بعض الحوادث، فالحادثة الأولى ما حدث في صلح الحديبية
في أسباب نزول سورة الفتح روى القمي في تفسيره بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: “كان سبب نزول هذه السورة وهذا الفتح العظيم إن الله عز وجل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في النوم أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين، فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج فخرجوا …
فلما كان في اليوم الثاني نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحديبية وهي على طرف الحرم وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستنفر بالاعراب في طريقه معه فلم يتبعه أحد ويقولون: أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم أنه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبداً، فلما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحديبية خرجت قريش يحلفون باللات والعزى لا يدعون محمداً يدخل مكة وفيهم عين تطرف”
فجرت حوارات بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع مبعوثي قريش فاقترحت قريش عقد الصلح على أن تخلي قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيام حتى يقضي نسكه وينصرف عنهم فأجابهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع ذكر بعض الفقرات في وثيقة الصلح …
“فلما أجابهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الصلح أنكر عامة أصحابه وأشد ما كان إنكارا فلان[1] فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ فقال: نعم، قال: فنعطي الذلة (الدنية ح) في ديننا!
قال: إن الله قد وعدني ولن يخلفني قال: لو أن معي أربعين رجلا لخالفته.
ورجع مبعوث قريش إليهم فأخبرهم بالصلح فقال عمر يا رسول الله ألم تقل لنا أن ندخل المسجد الحرام ونحلق مع المحلقين؟ فقال: أمن عامنا هذا وعدتك؟ وقلت لك: إن الله عز وجل قد وعدني ان افتح مكة وأطوف وأسعى مع المحلقين، فلما أكثروا عليه (صلى الله عليه وآله) قال لهم: إن لم تقبلوا الصلح فحاربوهم، فمروا نحو قريش وهم مستعدون للحرب وحملوا عليهم فانهزم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هزيمة قبيحة ومروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: يا علي! خذ السيف واستقبل قريشا، فاخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) سيفه وحمل على قريش فلما نظروا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) تراجعوا وقالوا: يا علي بدا لمحمد فيما أعطانا فقال: لا وتراجع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستحيين وأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ….[2]
نلاحظ أن المطيعين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين له وعلى رأسهم أمير المؤمنين (عليهم السلام) في قمة الشجاعة، ونلاحظ المشككين والمستشكلين والمخالفين لأوامره (صلى الله عليه وآله وسلم) جبناء كما اتضح في هذه الحادثة وما سبقها من حوادث وحروب وما تلاها فقد كانوا من الهاربين أو الفاشلين في ميدان الحرب!
ولكن الملفت للنظر أن هؤلاء المشككين والمستشكلين يؤثرون على كثير ممن حولهم من حديثي الايمان وضعفاء اليقين!
الحادثة الثانية:
بحسب كثير من الروايات اعترض الكثيرون على الإمام الحسن (عليه السلام) حينما صالح معاوية بعدما خذله الناس حتى قال بعضهم مسلماً على الإمام (عليه السلام) السلام عليك يا مذل المؤمنين وهذا القائل نفسه لم ينصر الإمام الحسين (عليه السلام) حينما رفض بيعة يزيد (لعنه الله) وحدثت واقعة الطف … على الرغم من أنه ممن كاتب الإمام الحسين (عليه السلام) إلا أنه لم ينصره!
نعم شارك في طلب ثاره …
ويمكن القول بعد الاطلاع على ما تقدم أن مقدار الشجاعة متناسبة طردياً مع مقدار الطاعة، إن ارتفعت الطاعة ارتفعت معها الشجاعة وإن نزلت الطاعة نزلت معها الشجاعة …
وقد بيّن المعصومون (عليهم السلام) من القوي والشجاع ومنها:
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أخبركم بأشدكم وأقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله!، قال: أشدكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له بحق.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): أقوى الناس أعظمهم سلطانا على نفسه.
وعنه (عليه السلام): أشجع الناس من غلب الجهل بالحلم.
وعنه (عليه السلام): لا أشجع من لبيب.
وعنه (عليه السلام): لا قوي أقوى ممن قوي على نفسه فملكها، لا عاجز أعجز ممن أهمل نفسه فأهلكها.
وغيرها من الأحاديث[3].
وفي تفسير الجبن – الإمام الحسن (عليه السلام) – وقد سئل عن الجبن؟ -: الجرأة على الصديق، والنكول عن العدو[4]
وقد نقل لنا التاريخ كثير من الشواهد وشاهدنا كيف أن الجبناء الذين كانوا لا يلتزمون بأوامر القيادة الحقة ونواهيها كيف كانت جرأتهم على الأصدقاء ونكولهم عن الأعداء فازدادوا انحرافاً وفساداً…
فبمقدار الطاعة تكون درجة الشجاعة ودرجة الفوز ونيل الدرجات العليا …
المصادرـــــــــــ
[1] عمر بن الخطاب.
[2] ج2 ص309-312.
[3] ميزان الحكمة ج2 ص1411-1413.
[4] ميزان الحكمة ج1 ص370.
الحلقات السابقة:
1- رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكشف أسهل السبل لتماسك المجتمع وإشاعة المحبة بين أفراده
https://www.facebook.com/loversonhuman/posts/pfbid0diWQ1MjdE9JYJKQyw4z1SNcnTraBpdAvP8QzYknxcQ7rb6qXRZpFmTZEM26ZYE9vl
2- رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبين أبرز معالم القيادة الرسالية
https://www.facebook.com/loversonhuman/posts/pfbid02Hn5fTKb38T8rxRnp37LF5MSk5gQJsvan5EF51g67Tb6KfHV1qq9wQznBKL7bES8il
3- لا تتقدموا الرسول (الشخص والموقع) بقول ولا بفعل … وإلا تهلكوا كالبراء بن معرور!
https://www.facebook.com/loversonhuman/posts/pfbid02DVX5dHT613psn6VaA18NXcwUCg6jzD9aYnoWd7CF8Kt1t1nyArFDWSxQpz7W2fSYl
محمد النجفي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية