تمهيد
استلم الإمام الهادي (عليه السلام) الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الجواد سنة 220ه، وبهذا يكون عمره الشريف حين تصديه للإمامة (ثمان سنوات)، ولذلك إمامته تعتبرالمصداق الثاني للإمامة المبكرة في الفكر الشيعي فمن الطبيعي أن تتكثف النصوص حول إمامته لتركيزها في أذهان الناس كما حصل من قبل مع الإمام الجواد (عليه السلام)، حيث كان هناك تمهيد طبيعي من الإمام الرضا (عليه السلام) لابنه الإمام الجواد (عليه السلام) وإن إسناد هذا المنصب الإلهي إليه في هذا السن المبكر جعله يظهر على يديه الكرامات التي تؤكد اتصال صاحبها بعالم الغيب، وقد عاصر الإمام (عليه السلام) في سني إمامته ستة من حكّام بني العباس وهم:
المعتصم (وقد دام حكمه 8 سنوات) 227هــ.
الواثق (5 سنوات و223) 9هـ.
المتوكل (14 سنة) 247هـ.
المستنصر (ستة أشهر) 248هـ.
والمستعين (سنتان وقيل ثلاث سنوات و9 أشهر) 252هـ.
والمعتز (8 سنوات و6 أشهر) 258هــ.
واستشهد الإمام (عليه السلام) في عهده سنة 254هـ.
ولا داعي أن نثقل ذهن القارىء بمدى حقد هؤلاء على أهل البيت (عليهم السلام) ويكفي أن نعرف أن المتوكل العباسي أمر بهدم قبر الإمام الحسين (عليه السلام). ثم هدم كل بناء حول القبر وأجرى الماء عليه إلا أنَّ الماء قد دار حول القبر ولم يصل إليه ومن ثم سمي بالحائر، وقد خرجت من القبر الشريف رائحة طيبة لم يشم الناس عطراً مثلها.
ولذلك قال بعض الشعراء هجاء في حق المتوكل:
باللّه إن كانت أميه قد أتت***قتل ابن بنت نبيها مظلوماً
فلقد أتاه بنو أبيه بمثله***هذا لعمري قبره مهدوماً
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا***في قتله فتتبعوه رميماً
نصوص الإمام الجواد عليه السلام على ابنه
1- عن إسماعيل بن مهران، قال: لما خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى، قلت له: عند خروجه: جعلت فداك، إني أخاف عليك من هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ قال: فكر بوجهه إليّ ضاحكاً، وقال: ليس حيث ظننت في هذه السنة فلما استدعي به إلى المعتصم في المرة الثانية صرت إليه، فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج، فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته، ثم التفت إلي فقال:”عند هذا يخاف عليَّ، الأمر من بعدي إلى ابني علي”.
2- وفي رواية سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول:”الإمام بعدي ابني علي أمره أمري، وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه”. ثم: سكت فقلت: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام بعد الحسن، فبكى عليه السلام بكاءاً شديداً ثم قال: “إنّ بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر” إلى اخر الرواية4.إلى غيرها من الروايات التي صدرت للتأكيد على إمامة الإمام الهادي عليه السلام.
عصر الإمام الهادي (عليه السلام)
إن المراقب لسيرة الإمام الهادي (عليه السلام) يعرف أن الإمام استخدم منهجاً تربوياً متكاملاً من أجل بناء المجتمع الصالح وحصانته في مواجهة الانحراف، وتقديم نموذج للمجتمع الإيماني الذي كان يمثله أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم.
وهذا المجتمع لا بد من بنائه من الداخل والخارج لذلك اعتمد في مجال بناء النفس على ركنين:
الأول: بناء النفس من خلال تهذيبها وربطها بخالقها تعالى (الجانب التهذيبي).
الثاني: بناءها من أجل قدرتها على تجاوز المحن والصعاب (الجانب التنظيمي).
أ- الجانب التهذيبي:
عن الإمام عليه السلام قال لأحد مواليه: كاتب فلاناً وقل له:”إن اللّه إذا أراد بعبد خيراً، إذا عوتب قبل”. فالإمام يحدد أن الإنسان في مسألة حب الظهور، لا بد أن يتقبل النقد وأن يرضى بالتعرف على عيوبه من أجل إصلاحها.
ويقول أيضاً عليه السلام:”من أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين، ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحلّ به سخط المخلوقين”. إن تنمية هذا الأمر في شخصية انسان يعزر قوة شخصيته تجاه المغريات أو ما يواجهه من اضطهاد.
وقال أيضاً:”من أمن مكر اللّه وأليم عذابه أخذه تكبّر حتى يحل به قضاؤه ونافذ أمره، ومن كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا ولو قرّض ونشر”، وقد اعتمد الإمام وسائل كثيرة للبناء الروحي للمجتمع منها:الرسائل المكتوبة، الربط بالمعصومين عبر ظاهرة الزيارة فقد صدر عنه (الزيارة الجامعة، وزيارة أمير المؤمنين يوم الغدير، وزيارات متعددة للأئمة عليهم السلام ).
ب- الجانب التنظيمي:
إن مفهوم الإمامة الذي يعني قيادة الأمة إلى الخير والصلاح في الدنيا والاخرة اقتضت من الإمام أن يمارس الجانب التنظيمي في المجتمع من أجل حمايته من حبائل السلطة الغاشمة التي كانت تتربص بالمؤمنين وبإمامهم عليه السلام الدوائر.
العمل المنظم
كانت حياة الإمام عليه السلام مقرونة برقابة شديدة من قبل الحكام العباسيين، ورغم ذلك كان للتشيع انتشاره في كل العالم الإسلامي، واتبع الإمام أسلوب الوكالة للارتباط بأتباعه وشيعته في العالم، فكيف كان هذا النظام؟
نظام الوكالة:
كان الوكلاء يتولون تنظيم عملية الاتصال بين الإمام عليه السلام والشيعة، خصوصاً في العناوين التالية:
1- استلام الخمس من الشيعة وإيصاله للإمام عليه السلام.
2- الاجابة على المسائل الفقهية والعقائدية.
3- التعريف بالإمام عليه السلام وتمهيد الأرضية له.
وكان ارتباط هؤلاء بالإمام عليه السلام يتم غالباً من خلال كتب يرسلونها إليه مع من يوثق به.
وكان من وكلاء الإمام الهادي عليه السلام علي بن جعفر الوكيل، وقد سُعي به إلى المتوكل فقبض عليه وحبس، وقضى فترة طويلة في السجن. وإبراهيم بن محمد الهمداني وغيرهم…
العلاقة بين الوكلاء والناس:
لقد نظم الإمام عليه السلام العلاقة بين الوكلاء أنفسهم، بحيث يبقى كل وكيل ضمن دائرة عمله بشكل منظم من دون التعرض لدائرة عمل الآخر، وقد كتب (عليه السلام) كتاباً وجهه إلى أيوب بن نوح (عليه السلام) وكان من وكلائه (عليه السلام) أمره فيه بعدم الاكثار بينه وبين أبي علي وكيل اخر وأن يلزم كل واحدٍ منهما ما وكل به وأمر بالقيام فيه في أمر ناحيته، وأوصى أبا علي ايضاً بمثل ما أوصى به أيوب، وطلب من الإثنين أن يتولى كل واحد منهما الشؤون المالية لما يليه من الشيعة وأن لا يقبلا شيئاً من أموال شيعة المناطق الأخرى.
ونظم (عليه السلام) كذلك العلاقة بين الوكيل وبين الشيعة المتواجدين في ناحيته، فاعتبر أن طاعة الوكيل هي طاعة له عليه السلام، ففي كتاب له عليه السلام عن أبي علي بن راشد يقول: “فقد أوجب في طاعته طاعتي والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني فالزموا الطريق يأجركم الله ويزيدكم في فضله”.
وأكد على ضرورة تمهيد الطريق أمام الوكيل وتسهيل مهمته، يقول (عليه السلام):”فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الحق قِبلك، وأن تحض موالي على ذلك وتعرفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته فذلك توفير علينا ومحبوب لدينا ولك به جزاء من الله وأجر”.
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية