من المواضيع المهمة التي ركز عليها سماحة المرجع اليعقوبي وأولاها اهتماماً كبيراً في كلماته وخطابته هي (التعامل بإيجابية مع أحداث الحياة) لما لها أثر في سلوك وحياة الفرد والمجتمع، وكانت لسماحته كلمات مخصصة لهذه المسألة المهمة كخطابه (تعاملوا في حياتكم بإيجابية)[1] وأيضاً لديه كلمات متفرقة في مؤلفاته وكلماته وخطبه فمن كلماته: “إن النظر إلى الأمور بإيجابية يساعد على استقرار النفس واطمئنان القلب والرضا بما يجري والتخلص من القلق والازعاج الذي ينكّد الحياة ويدعو إلى اليأس والإحباط ويدفع إلى الاعتراض والتمرد وعلى الصعيد الصحي فإنه (بحسب المختصين) يؤدي إلى ضعف المناعة وزيادة احتمالية الإصابة بالأمراض”[2].
وفيما يخص أهمية نظر الإنسان بإيجابية لما يمر به من سواء ما يكون بقضاء الله وقدره أو ما يكون نتيجة سلوك إنسان آخر كأن يكون قريب أو صديق، كانت لسماحته كلمة قيمة بهذا الخصوص وهي نقطة من مجموعة نقاط ذكرها جوابا لسؤال طرحه سماحته، وهو (فكيف نستشعر في قلوبنا الرضا والتسليم بقضاء الله تعالى في جميع الأمور والابتلاءات والمصائب والصعوبات والشدائد والمحن التي تمر بنا؟) والنقاط كلها مهمة وينبغي الاطلاع عليها ولكني تجنبا للإطالة سأقتبس فقرة واحدة من كلام سماحته وهي قوله:
“إن أي شيء لا ترضاه يصدر من محبوب لك، فلكي لا يؤثر فيك تأثيراً سيئاً تذكر ما يحبِّب[3] ذلك الشخص إليك، والله تبارك وتعالى لا تحصى نعمه عليك، فلماذا تنساها كلها وتذكر فقط هذا البلاء الذي نزل بك؟ وبهذا الصدد ينقل أهل المعرفة رواية واعية ومما جاء فيها: إن إخوة يوسف (عليه السلام) كانوا خجلين منه بعدما عرفوه لما صدر منهم اتجاهه، وكانوا يجلسون معه صباحاً ومساءً إلى المائدة، ولشدة حيائهم منه طلبوا منه إعفائهم عن الحضور معه، قال لهم: أنتم سبب عزتي ورفعتي؛ لأن المصريين كانوا يعتبرونني قبل مجيئكم غلاماً وصلت إلى السلطنة، وعندما جئتم عرفوا أني لست غلاماً، بل ابن نبي ومن أولاد إبراهيم الخليل (عليه السلام)[4]، هذا مع قبيح فعلهم معه، فكيف يكون موقفنا اتجاه المنعم المتفضل المنان؟ …
وفي الحقيقة فإن هذا معنى واسع تستطيع أن تطبقه في حياتك مع الآخرين أيضاً، فعندما يسيء لك شخص تذكر منه النقاط الإيجابية فسيتبدل غضبك عليه إلى حب له، لذا ورد في الحديث: (اذكر اثنين وانسَ اثنين: اذكر إساءتك للآخرين وإحسان الآخرين إليك، وانسَ إحسانك للآخرين وإساءة الآخرين إليك)”[5]
وكان لسماحته كلمة قيمة كان محورها أحد الآداب العامة لتنظيم العلاقة الإيجابية مع الآخرين وهي عدم المعاجلة بالعقوبة ومما جاء في كلمته قوله:
“من كلمات الإمام الحسن السبط الزكي المجتبى (صلوات الله عليه) في بيان أحد الآداب العامة لتنظيم العلاقة الإيجابية مع الآخرين خصوصاً للمربين وأولياء الأمور كالأب في البيت أو معلم المدرسة أو مدير الدائرة أو رئيس العمال ونحو ذلك، قال (عليه السلام) (لا تعاجل الذنب بالعقوبة وأجعل بينهما للاعتذار طريقاً)[6]
والمعنى واضح فالإمام (عليه السلام) ينهى عن المبادرة إلى معاقبة من يخطأ أو يذنب أو يقصِّر فهذا التريث والإمهال وغض النظر المؤقت يُعطي المذنب فرصة للتأمل والتفكير والمراجعة وسيدفعه ذلك إلى الاعتذار والاعتراف بالتقصير وتدارك التقصير وهذه نتيجة طيبة لجميع الأطراف، أما المبادرة إلى المحاسبة والمعاقبة بغض النظر عن كون العقوبة بمستوى الذنب أو أقل أو أكثر فأنها تؤدي الى التشنج والتعصب وتأخذه العزة بالإثم.
وهذا الأدب يندرج ضمن التأسي بالصفات الإلهية فأن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة بأن لا يُعاجل العباد العقوبة حتى الكفار والمتجبرين والمتمردين قال تعالى (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (الأحقاف:35) وقال تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) (يونس:11)، وقال تعالى (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (الطارق:17) فإن ثابوا الى رشدهم وعادوا الى الطريق كان فيه خير الدنيا والاخرة للجميع ولا نفقد الامل بهداية أي أحد وهذا ما عبّر عنه بعض الربانيين لما قال لهم بعض اليائسين والمتقاعسين (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً) كان جوابهم الأمل والاندفاع ( قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(الأعراف:164)، حتى في مثل فرعون الذي كان يقول (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) (النازعات:24) و(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى) (غافر:29) فأن الله تعالى أبقى الامل في نفس موسى وهارون (عليهما السلام) قال تعالى (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:43-44).
وإن استمروا بالعصيان والاستكبار كان أبلغ بالحجة عليهم وأقطع لعذرهم قال تعالى (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (آل عمران:178). ويتأكد هذا الأدب كلما ازدادت أواصر القرب والعلاقة … “[7].
وفيما يخص نشر المبادرات الإيجابية في المجتمع فقد أكد سماحته على أهمية توظيف المنابر والمنصّات ومواقع التواصل الاجتماعي لزرع الأمل في نفوس الناس ونشر المبادرات الإيجابية التي تبعث الروح في الأجساد لإنتاج جيل واعي يستطيع تجاوز الأزمة والعبور نحو الآفاق الرحبة وإبعاده عن إفرازات الواقع السياسي المرير والأجواء التي لوثها الصراع السياسي، وتوفير انطلاقة جديدة ترتكز على العمق الديني والحضاري لعراقنا الجريح[8].
في كلمة لسماحته حث فيها الخطباء والوعاظ … أن لا يكونوا قساة حيث يركزون على الحالات السلبية فقط ويغضون النظر عن الإشادة بالحالات الإيجابية وذكر سماحته أنه توجد في المجتمع الكثير من الحالات الإيجابية ينبغي نقلها … وحتى الإنسان الفاسق توجد فيه الكثير من الجوانب الإيجابية يمكن استثارتها وكذلك المرأة السافرة والذي يشرب الخمر لو درست حياتهم لوجدت كثير من النقاط الإيجابية فيهم وإنك إذا استنهضتهم لعمل الخير تجده أولهم، وذكر سماحته شاهداً على ذلك شقاوات النجف وموقفهم من السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) ومساهمتهم في فك الحصار الذي فرضته القوات الصدامية عليه…[9]
روي أن عدة من أهل الكوفة كتبوا إلى الصادق (عليه السلام)، فقالوا: إن المفضل يجالس الشطار، وأصحاب الحمام، وقوما يشربون الشراب، ينبغي أن تكتب إليه وتأمره ألا يجالسهم، فكتب إلى المفضل كتاباً وختمه ودفعه إليهم، وأمرهم أن يدفعوا الكتاب من أيديهم إلى يد المفضل، فجاؤوا بالكتاب إلى المفضل، منهم زرارة، وعبد الله بن بكير، ومحمد ابن مسلم، وأبو بصير، وحجر بن زائدة، ودفعوا الكتاب إلى المفضل، ففكه وقرأه. فإذا: ( بسم الله الرحمن الرحيم أشتر كذا وكذا واشتر كذا ) ولم يذكر فيه قليلاً ولا كثيراً مما قالوا فيه، فلما قرأ الكتاب دفعه إلى زرارة، ودفع زرارة إلى محمد بن مسلم، حتى دار الكتاب إلى الكل. فقال المفضل: ماذا تقولون : قالوا : هذا مال عظيم، حتى ننظر ونجمع ونحمل إليك، ثم لم ندرك الانزال بعد نظر في ذلك، وأرادوا الانصراف، فقال المفضل: تغدوا عندي، فأجلسهم لغداته ووجه المفضل إلى أصحابه الذين سعوا بهم، فجاؤوا وقرأ عليهم كتاب أبي عبد الله (عليه السلام)، فرجعوا من عنده وجلس هؤلاء ليتغدوا، فرجع الفتيان وحمل كل واحد منهم على قدر قوته ألفا وألفين، وأقل وأكثر، فحضروا، وأحضروا ألفي دينار، وعشرة آلاف درهم قبل أن يفرغ هؤلاء من الغداء . فقال لهم المفضل: تأمروني أن أطرد هؤلاء من عندي، تظنون أن الله تعالى محتاج إلى صلاتكم وصومكم”. [10]
لاحظ كيف ان المفضل كان ناظرا إلى الحالات الإيجابية في هؤلاء الفتية واستثمرهم في عمل الخير في حين أن الذين شكوه للإمام الصادق (عليه السلام) كانوا ناظرين إلى سلبيات هؤلاء الفتية فقط، لهذا أعطاهم الإمام الصادق (عليه السلام) درسا عمليا بهذا الخصوص.
وأنتقد سماحته أيضا وسائل الاعلام بخصوص سعيها لإظهار المواقف السلبية فقط مع التركيز عليها وعدم إظهار المواقف الإيجابية في المجتمع[11].
ومن أجمل ما قرأته فيما يخص النظر لما يدور حولنا بإيجابية ما تضمنه خطاب سماحته الذي كان بعنوان (الوضع الأمني السيئ مصداق لقوله تعالـى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) الذي صدر بتاريخ 7 أيار 2005م حيث قال سماحته:
(والثمرة الأخرى التي تحققت نتيجة فعل هؤلاء المجرمين والتي هي مصداق لقوله تعالى: [فَعَسَى أنْ تَكرَهُوا شَيئاً وَيجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً] (النساء:19)، [وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ] (البقرة: 216)، أنه بعد أن وطأت أقدام المحتل هذه الأرض المباركة كان هذا الغزو العسكري وسيلة لغزو فكري وأخلاقي وعقائدي واجتماعي يريدون به مسخ الهوية الإسلامية لهذا الشعب وتغيير ثقافته وتقاليده وأنماط سلوكه وإلحاقه بالركب الغربي، ويجري كل ذلك على أيدي منظمات ومؤسسات بعناوين مختلفة كحقوق الإنسان وأطباء بلا حدود والتدريب على الديمقراطية وتأهيل الاقتصاد ومواكبة تكنولوجيا العصر وتحرير المرأة وتطوير المهارات وغيرها، وكانت هذه المنظمات تمثل جيشاً جراراً لا يقلّ عدداً ولا عدة عن تجهيزات الغزو العسكري، ويمتلك عناصر القوة والتأثير من مبالغ مغرية ووسائل إثارة وتكنولوجيا متطورة يقدّمها بالمجان من أجل أهدافه الخبيثة.
وبصراحة أقول: إن شعبنا لم يكن مستعداً لهذا الغزو الكاسح والواسع، وكان يمكن أن يذوب ويضمحل لأنه يعاني الفقر والحرمان والاضطهاد والتخلف والتجهيل، فهو يسارع إلى تلقي أي مساعدة تنعش وضعه ولا يفكر في عواقبها برويّة، فجرى التخطيط الإلهي في توظيف عمل هؤلاء المجرمين لمصلحة الدين (كما كان لجريمة قتل الحسين (عليه السلام) التي هي أفظع جريمة شهدتها البشرية الأثر البالغ في حفظ الرسالة الإسلامية عبر التأريخ)، حيث فرّت تلك المنظمات وردّت على أعقابها ولم يبق منها إلاّ القليل وتأثيرها محدود بحيث يستطيع الشعب بتربيته التي حصل عليها أن يحصّن نفسه لمواجهتها حتى يؤهّل نفسه لمواجهة أعلى عند قدوم المزيد منها وهكذا تتصاعد حصانته وتربيته وتكامله تدريجياً ليستوعب تصاعد الخطر الذي يزداد مع استقرار الوضع لذلك سمعتم قبل أسبوعين تقريباً تصريحات بعض المسؤولين الأكراد التي تتحدث عن نشاطات واسعة لمنظمات تبشيرية في شمال العراق تهدد عقيدة إخواننا هناك إن لم يتداركوا أنفسهم.)[12]
ولأجل نشر الإيجابية فقد حث سماحته على تكريم المحسنين الذين لديهم توجه صالح وايجابي في المجتمع والإشادة بهم وهي من أفضل الطرق لزجر المسيئين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ازجر المسيء بثواب المحسن[13].[14]
وهذه طريقة ناجحة وإيجابية لأنها ستبرز كل ما هو إيجابي وتحث عليه وهذا ما جاء في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر لما ولاه مصر قوله (عليه السلام): لا يكونن المحسن والمسيئ عندك بمنزلة سواء، فإن ذلك تزهيد لأهل الاحسان في الاحسان وتدريب لأهل الإساءة على الإساءة[15].
ولسماحته مواقف جسد هذه الثقافة اعرض عن ذكرها في الوقت الحاضر خشية الإطالة…
ومن الإيجابية ما تحدث سماحته عن سبب البلاءات التي يمر بها الشعب العراقي حيث أشار سماحته في كلمة له إلى أن النقد الذاتي شيء جيد ومطلوب ولكن أيضا ينبغي أن لا نبالغ به ونقسو به وذكر مثال على ذلك انتقاد الشعب العراقي لما يمر به من بلاءات ومحن وإظهار الأمر على أنه استحقاقه لأنه بعيد عن الله سبحانه وتعالى وفيه الكثير من السلبيات والمظالم وعلق سماحته لو كان الأمر كذلك فتوجد شعوب أكثر منا سلبية في السلوك والتعامل والابتعاد عن الله سبحانه وتعالى فلماذا لا نرى يحصل لهم ما يحصل للعراق ؟
وفي هذه الكلمة وفي خطاب آخر أجاب سماحته على هذا التساؤل حيث قال:
وهذا الذي ذكرناه عام (أي بخصوص ما ذكره من أسباب أخرى للبلاء) لكن هناك مناشئ للبلاء خاصة بالشعب العراقي ومنها أن هذا البلد سيكون قاعدة انطلاق الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في حركته العالمية لنشر الحق والعدل وان أهله الكنوز التي هي ليست من الذهب والفضة كما ورد في الحديث، وهم الطليعة الذين سيفتح بهم العالم وهذا الدور العظيم لا يتأهلون له إلا باجتياز عدد من الصعوبات والشدائد ونجاحهم فيها استعداد لأداء تلك الوظيفة الإلهية [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ] (البقرة:214).[16]
نظرة إيجابية أخرى لسماحته فيما يخص الوضع السيء في العراق ففي كلمة لسماحته حملت عنوان (الحالة السلبية في المجتمع تحفّز على العمل) ذكر سماحته النظرة الإيجابية التي ينبغي أن ينظر بها المؤمن الرسالي للوضع السيء ليخرج من حالة التذمّر والإحباط إلى حالة العمل النشيط وإليكم نص الكلمة لأهميتها:
“إن الفساد الأخلاقي والانحراف الموجود لدى الشباب حالة سلبية أكيداً، والمؤمن الرسالي لا يرضى بوجودها في المجتمع، ويعمل على إزالتها ومعالجتها، لكنه إذا لم يستطع ذلك فإنه لا يدخله اليأس والإحباط وترك العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه أولاً وقبل كل شيء يؤدي وظيفته أمام الله تبارك وتعالى وحجته على خلقه، ولأن النتائج ليست بيده وإنما هي بيد مسبّب الأسباب ومدبر الأمور، وللثقة بنصر الله تعالى ووعده بغلبة الحق (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء/ 18) وفي حديث لأمير المؤمنين (عليه السلام) (قليل من الحق يغلب كثيراً من الباطل، كما ان قليلاً من النار تأكل كثيراً من الحطب).
بل إن المؤمن يرى وجود مثل هذه الحالات فرصة للطاعة، ولو لم توجد فإن باباً من أبواب الطاعة سيكون مغلقاً، فالفقر مثلاً الذي هو حاله مرضية في المجتمع ونسعى بكل جهد لتخليص الناس منها، بحيث ينسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: لو كان الفقر رجلاً لقتلته، لكنه في نفس الوقت موضوع لطاعات عديدة من البر والإحسان فإذا لم يوجد فقير –كما في أخبار الظهور الميمون أن أحدكم يجوب البلدان بصدقته ليجد مستحقاً لها فلا يجد –فهذا يعني عدم وجود فرصة لهذه الطاعات، فهذه الحالة السلبية تحوّلت إلى حالة مُحرّكة ومحفّزة للعمل ودافعة للإصلاح والتغيير.
وهكذا ننظر إلى كل الحالات السلبية بأنها ابتلاء وامتحان من الله تعالى لعباده ليميز المحسن من المسيء، والعامل من غير العامل حتى يأخذ كل إنسان استحقاقه كما ان امتحاناتكم في الجامعات والمدارس تترتب عليها هذه الآثار، قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك/ 2) وقال تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت/2).
وبنفس الوقت هي محرّكات ومحفزات للعمل الإصلاحي وتوجد فرصاً للطاعة، وبهذه النظرة ستخرجون من حالة التذمّر والإحباط إلى حالة العمل النشيط المبارك بإذن الله تعالى.”[17]
وأحب أن أختم المنشور بكلمة مهمة لسماحة المرجع اليعقوبي وهو قوله:
من يتعامل مع الأمور و الأحداث بسلبية فانه يكون في شقاء وتعاسة ويكون عيشه منكدا ونحو الأسوأ من دون ان يغيِّر في الواقع شيئاً لان الأحداث جارية شاء أم أبى عن أمير المؤمنين عليه (عليه السلام) قال (إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت ماجور، وان جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور)[18].[19]
المصادرـــــــــــــــــــــــــ
[1] خطاب المرحلة ج8 ص275.
https://library-yaqoobi.net/viewbook/fullbook/viewbook.php?bid=24
[2] نشرة الصادقين العدد (200) (المرجع اليعقوبي: فايروس كورونا يغيّر العالم ويعيد تشكيله).
[3] أي تلتفت إلى النقاط الإيجابية حتى تذوب النقطة السلبية.
[4] القلب السليم: 2/ 367. هذا هو أدب الأنبياء فقد ذكر حسناتهم وغض النظر عن إساءتهم إليه.
[5] خطاب المرحلة ج٢ ص١54.
[6] المجالس السنية ج5 ص348، موسوعة المصطفى والعترة ج5 ص126-128.
[7] من نور القرآن ج4 ص333.
[8] الموقع الرسمي لسماحته، 2/3/2019 : (المرجع اليعقوبي يدعو الخطباء لبيان دور المعلم في بناء جيل واعي واستثمار المنابر لنشر الثقافة الصحيحة وإعادة بناء المنظومة القيمية والأخلاقية)
https://yaqoobi.com/arabic/index.php?news=6847
[9] ألقاها سماحته في وفد البيت الطلابي الإسلامي / بغداد، أيام المولد النبوي الشريف ربيع الأول 1427هـ الموافق نيسان 2006م. (تسجيل فيديوي).
[10] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج19 ص325.
[11] كلمة سماحته ألقاها في وفد من أهالي الفضيلية / بغداد، بتاريخ 1 كانون الأول 2003 (تسجيل فيديوي). وكلمة سماحته تحديث بها في لقائه مع جمعية كطلاب الهندية في كربلاء ، بتاريخ ربيع الأول 1426هـ الموافق نيسان 2005م (تسجيل فيديوي).
[12] خطاب المرحلة ج4 ص44.
[13] بحار الأنوار ج72 ص44.
[14] كلمة سماحته ألقاها في وفد أهالي الزبير / البصرة ووفد الرفاعي / ذي قار بتاريخ 1426هـ / 2005 م (تسجيل فيديوي)
[15] تحف العقول، ص130.
[16] أنظر: خطاب المرحلة ج5 ص5. وكلمة سماحته ألقاها في وفد أهالي الزبير / البصرة ووفد الرفاعي / ذي قار بتاريخ 1426هـ / 2005 م (تسجيل فيديوي)
[17] خطاب المرحلة ج7 ص81.
[18] ميزان الحكمة ج2 ص1563.
[19] خطاب المرحلة ج8 ص280.
محمد النجفي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية