(الظاهرة) إصطلاح إجتماعي كثيرا ما يستعمل اليوم؛ وقد يختلف في ما هو المراد منه بالدقة
فعالم الاجتماع الأمريكي جيمي أبرب- مثلا- عرف الظاهرة الاجتماعية:
“بأنّها أي موضوع يتعلق بطبيعة العلاقات أو بطبيعة القيم الاجتماعية في المجتمع ”
وعرفها إيميليو وايلامز: ” بأنّها جميع العمليات المرتبطة بالتفاعل الاجتماعي ”
اما نحن فيتبادر الى اذهاننا ((انها كل ما ينتشر في أوساط المجتمع من فعاليات تفاعلية يقل مثيلها، وربما أطلقت على الفرد البارز الذي يقل مثيله، فيقال عنه ظاهرة.. وقد يطلق أيضا على الشخص الذي أختلف الناس فيه))
ووفقا لهذا الفهم، اذا ذهبنا الى النجف ، ومرجعيتها الشريفة، لوجدنا أن الواقع المرجعي النجفي في القرن العشرين مختلفا تمام الاختلاف عما هو عليه اليوم لدى الكثير من المرجعيات الدينية؛ فقد كان من أهم سمات المرجعية في النجف الاشرف هو عدم بروزها المباشر ، وعدم اتصالها المباشر مع الجماهير..إلا بعض التجارب كتجربة الشهيد باقر الصدر التي وئدت مبكرا، و التي كانت مرجعية نخبوية اكثر من كونها مرجعية جماهيرية..
ومع إنتهاء ثمانينيات ذلك القرن كان المجتمع في أزمة إجتماعية كادت أن تطمس ملامح الوجه الديني لذلك المجتمع الذي تحتضن أرضه مراقد الائمة الأطهار، وتتواجد بين ظهرانيه حوزة علمية وقيادة دينية واضحة الملامح تعتبر بلا كلام العلامة الفارقة له عن بقية المجتمعات، وجماهير المذاهب الاخرى من إخواننا من جمهور مدرسة الصحابة حيث ضبابية القيادة الدينية عندهم..فكان الإنحدار المخيف للخط البياني القيمي .. وكان بروز مظاهر المخالفات الشرعية في أوساط الناس بشكل ملحوظ؛ حتى صار الفحش من المستساغ المتعارف.. فكان الغناء ، والرقص ، والخمر ، والقمار ، امرا لا ينكره الأعم الأغلب..
فشخص صاحب الشيبة البيضاء الخارج من ازقة النجف أن هذا يحتاج الى حراك جديد من قبل الحوزة العلمية…
وحدد لابدية تصديه للمرجعية باسلوب جديد وآليات مستحدثة لم تعهدها النجف ؛ ليحدث بذلك التصدي زلزالا لم تعهده اروقة الحوزة.. حيث كانت مرجعيته خارقة لعادة النجف.. تلتقي مع الجماهير بشكل مباشر؛ وترسل التسجيلات الفيديوية فضلا عن الصوتية؛ وتنشر الاستفتاءات؛ وتنشر طلبة العلوم الدينية في المناطق؛ وتؤسس لإعادة أهم ما كان منها كآلية تفاعل وهي اقامة صلاة الجمعة بعد قرون طويلة من ابتعاد النجف عنها.. فكانت العلامة الابرز في حراكه المبارك ؛ لكونها اهم تشريع تفاعلي ؛ فقد قلب الصدر بجمعاته الطاولة على السلطة التي كان تجاوزه إياها من اغرب سمات حركته؛ وبهذا استطاع الصدر بحركته المباركة اعادة ذلك المجتمع إلى وعيه الحركي باعتماده على فتيته الذين مد جسور التواصل معهم..
فكان من نتاجات ذلك الوعي الحركي عودة إرتفاع الخط البياني القيمي والديني لذلك المجتمع.. فبرز الوجه الاسلامي فيه من جديد ،
فكان خير هاد اعاد الامل من جديد.. وكان على مستوى الحراك العراقي(ظاهرة العقد الاخير) بلا منازع.. حيث اختلف فيه من أختلف.. وانتبه به من انتبه..ليجعل من عقد التسعينيات عقد هداية للكثير من الشباب وغيرهم؛ بل و ليجعل منه عقد تجاذب بين نفس الرموز الدينية داخليا ؛ بل و عقد تجاذب بين معارضي الخارج لأسباب عديدة، منها : ضبابية الصورة التي وصلت إليهم ، و آدلجة البعض من أجل عدم بروز غير الجهات البارزة، وامور اخرى لسنا في مقام الكلام عنها هنا..
لكننا نختم بانه كان الظاهرة التي تستحق الوقوف عندها كثيرا.. ظاهرة لا لأنه استطاع مد الجسور التي قطعها غيره عن عمد وحسب، فكانت موجات الهداية التي كانت ؛ بل ولأنه كان محلا للتجاذب الذي اشرنا اليه .. والذي يحتاج الى مقام اطول لذكر تفاصيله والذي يفترض ان يكون بمهنية وصدق بعيدا عن قدح الآخر..
الشيخ حازم الشحماني