الشخصية الناجحة “جواد الأئمة (ع) أنموذجاً”
طرح الإسلام منهجاً تربوياً لبناء شخصية الإنسان المؤمن كي يتميز بكاريزما ناجحة بمقوماتها، وجاذبة بصفاتها، ومؤثرة بعطائها الإنساني وتفاعلها الإيجابي في بيئتها الاجتماعية ومحيطها العلمي والعملي في مختلف جوانب الحياة.
وهذا المنهج يعتمد على الثقلين؛ وهما القرآن الكريم والسنة الشريفة للنبي (صلى الله عليه وآله) ولأهل بيته (عليهم السلام) في التنظير والتطبيق لقواعد البناء النفسي والروحي والأخلاقي والاجتماعي لهذه الشخصية الناجحة المتميزة.
من خصائص هذا المنهج التربوي
١. ربانيته ووضعه من قبل الله تعالى العالم بالإنسان وبنفسه وغرائزه.
٢. شموليته ومراعاته للإنسان في جميع مقوماته والنظر إليه من كل جوانبه (الروح والعقل والغريزة).
٣. واقعيته في مراعاته كذكر وأنثى، وأنه يريد إشباع غرائزه، ومراعاة الزمان والمكان وتنوع أسالبيب التربية.
٤ . التوازن والاعتدال، فكل شئ بحدود حيث الموازنة بين حوائج الجسد وحوائج الروح، والموازنة بين متطلبات الدنيا ومتطلبات الآخرة.
المنهج التربوي الإسلامي والشباب
الإسلام بمنهجه التربوي كفيل بتربية الإنسان وخصوصاً الشاب، وهو حريص على تهذيب شخصيته والاعتناء به، ولا نحتاج إلى مناهج العلمانية وغيرها والتي تهدم شخصية الشاب وتجعله أسير الشهوة والغريزة، فالشباب هم ذخيرة الأمة، وعصب التغيير في المجتمع، وحملة الهم الإنساني والرسالي مع الأنبياء عليهم السلام، ومع النبي صلى الله عليه وآله، وأهل البيت (ع)، وهم وقود الحركة الرسالية في ركاب العلماء في كل زمان ومكان.
وهنا حرص الإسلام على منح الشاب حرية العقل والتفكر، وأعطاه دوراً أساسياً في بناء البلد وتشييد الحضارة، ونحن ملزمون كمؤسسات دينية بتقديم الخطاب الإسلامي المنبثق من روح القرآن والعترة بمخرجات حديثة ودراسات متطورة تجذب الشباب الى الدين، وتحبب إليهم الشريعة، وترغبهم في الإسلام ديناً ومفهوماً وممارسة حياتية حضارية في كل مجالات الحياة.
المنهج الإسلامي والشخصية الناجحة
الشخصية الناجحة هي التي تمتلك أبعاد النجاح في واقعها الحياتي، ومنها :
1 . توفر قواعد النجاح
2 . تنظيم الوقت
3 . توفر عوامل النجاح الاجتماعي
أولاً: قواعد النجاح، ومنها:
أ _ الثقة بالنفس: إيمان الانسان بما يملكه من مواهب وإمكانات، وثقته بما يحمله من قدرات تمكنه من أن يثبت نفسه، ويبرز شخصيته، ويدافع عن مبادئه، وينتصر باقتدار لقيمه، وهنا يمكن أن يسجل العامل المشترك في نجاح العظماء وكل من تركوا مساحات مضيئة في واقع الحياة في العلم والفكر والمعرفة والتغيير الاجتماعي وهو “الثقة بالنفس”، والمأخوذ من أمرين “ثقة الإنسان بالله تعالى، وتفجير هذه الثقة للطاقات الكامنة والكبيرة التي وهبها جل شانه لعبده”.
روي عن الإمام الجواد (ع): (إن من وثق بالله أراه السرور، ومن توكّل على الله كفاه الأمور، والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلا المؤمن..) البحار، المجلسي، ج ٧٥ ص ٧٩
وعنه (ع): (الثقة بالله تعالى ثمن لكل غال، وسلم إلى كل عال) ميزان الحكمة، الريشهري، ج ٤ ص ٣٦٦٠
وما وقوف الإمام الجواد (ع) في مجلس المأمون وإجاباته العلمية التي خلدت له عند العام والخاص إلا شاهد ودرس لنا على الثقة بالنفس وقدراتها وملكاتها، والمستند إلى الثقة بالله تعالى.
ب _ الإرادة القوية
الإرادة: هي الرغبة في الخير والسعي إليه والحرص عليه.
من وسائل تنمية الإرادة :
١ _ الاعتماد على النفس: أي الإفادة من القدرات الذاتية بما يملكه الإنسان من علم وصحة ومواهب .. الخ، فقد وقف الإمام الشاب جواد الأئمة (عليه السلام) معتمداً على علمه الرباني وإمكاناته الإلهية وبإرادة قوية لإثبات أهليته العلمية.
٢ _ العزيمة والإصرار: فالشخص الناجح هو الذي لا تردد عنده في خطواته وقراراته، ولا خوف عنده ما يقدم عليه ما دام يحمل عزماً، ويتسلح بالإصرار لبلوغ الهدف.
كما قال الشاعر :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ..
وتأتي على قدر الكرام المكارم .
وتعظم في عين الصغير صغارها ..
وتصغر في عين العظيم العظائم
من هنا يسجل لنا الإمام الجواد (عليه السلام) درساً ونحن في خضم معركة إثبات الهوية العلمية، والالتزام بقيمها الأخلاقية، حيث نكون بأمس الحاجة إلى تأكيد مبدأ العزيمة لبلوغ المعالي، والإصرار عل مواصلة الدرب رغم مشاقه لإثبات الأهلية لعلوم هذه المدرسة الحق، والجدارة لعلمائها في قيادة الإسلام وترويجه كمبادئ صالحة للحياة في كل جيل، وهذا ما يؤكد في نفوس أبناء الأمة ثقتهم بدينهم ويصون هويتهم، في ظل العولمة الثقافية التي تريد إلغاء هويات الأمم، وتذويب ثقافاتها في بوتقة الثقافة الغربية المادية.
وهذا الدرس ملؤه العزم والثبات، حيث نلحظ كيف أثبت سلام الله عليه هويته العلمية، وجدارته في قيادة الأمة وصيانة دينها وعقائدها وأخلاقها من خلال أهليته للنظر في مسائل العلم المختلفة، والتعمق في مطالبها، والتبحر في أبوابها، في محضر القريب والبعيد، بأسلوب الحوار العلمي، رغم صغر سنه، وما أعد له من مكائد، وما أحيط به ظلم.
فالتاريخ يذكر أن العباسيين عقدوا مجلساً بمحضر المأمون لاختبار علمية الإمام الجواد، وجاءوا بقاضي القضاة وهو (يحيى بن أكثم) ليمتحنه، وأعدت مسائل علمية عميقة وصعبة غايتها إحراج الإمام الجواد، وإظهاره ضعيف الشخصية، غير جدير بمنصب ولا مكانة، وبالتالي ضعف المذهب الذي يستند جمهوره على علميته، وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى انكسار كبير في مقام القيادة الإسلامية، وتشكيك في أهليتها، وزعزعة الثقة فيما بينها وبين جماهيرها.
لكن الإمام الجواد (ع) خرج من امتحانهم وهو الفارس المجلي في أروقة العلم مما ادهش الكبير والصغير ممن حضر واستمع وارخ انئذ وبعد ذلك.
ومنها هذه المسألة المشهورة التي طرحها عليه يحيى بن اكثم:
( ما تقول في محرم قتل صيداً ؟
فقال الإمام (ع):
( قتله في حل أو حرم؟….)
ثم طلب المأمون من الإمام الجواد (ع) أن يذكر تفصيل الجواب على التفريعات التي ذكرها للمسألة، فقال أبو جعفر ع
نعم …….)
فقال له المأمون: أحسنت -أبا جعفر- أحسن الله إليك، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك.
فقال له أبو جعفر ع : « أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة…)
الإرشاد ، المفيد ، ج٢ ،ص٢٨٥.
(لم أذكر التفاصيل هنا مراعاة الاختصار، وذكرت المصدر لمن يرغب بالمراجعة ، وفي نشر المقال في قناتنا على التلكرام سأنشر تفاصيل الروايتين ).
وقد ذكر المحدّث ابن حجر الهيتمي المكي المتوفى سنة ٩٧٤ هج هذه الحادثة في كتابه (الصواعق المحرقة) ص٢٠٤
ونقل بعض ما دار في ذلك المجلس .
وجاء في بحار الأنوار عن علي ابن إبراهيم عن أبيه قال: استأذن على أبي جعفر قوم من أهل النواحي، فأذن لهم، فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة، فأجاب وله عشر سنين.
ويعلّق الشيخ المجلسي (رحمه الله) على هذه الرواية بقوله: إن الكلام قد يكون محمولاً على المبالغة في كثرة الأسئلة والأجوبة، أو أن المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية أو مكان واحد كمنى وإن كان في أيام متعددة.
البحار، المجلسي، ج٥٠ ص٩٣.
وللحديث صلة إن شاء الله تعالى
في الحلقة الثالثة
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
الخطيب الحسيني
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الأشرف
٢٣ذق ١٤٤٤ هج
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية