في رواية معتبرة نقلها الكافي بوسائط قليلة:
علي بن إبراهيم، عن أبيه قال: أستأذن على أبي جعفر (عليه السلام) قوم من أهل النواحي من الشيعة، فأذن لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب (عليه السلام) وله عشر سنين!..
وفي هذا الحديث دلالات:-
١- إن هذا الإمام بعمره الصغير كان معجزة حقيقية شبيهة تماماً بمعجزة يحيى وعيسى (ع).. وما كان لهذه المعجزة أن تتخفى وتتوارى بل كان الإمام (ع) مكشوفاً لشيعته وعدوه، وكان مكشوفاً لكل المسلمين؛ فيناظر ويحضر ويجيب بهذا الشكل الواسع .. وإذا كانت المسائل ٣٠ ألفاً فكم كان حضورها، وكم عدد من يلقيها ؟!
وكم حضر من خبراء الحديث وكتاب الرواية والعلماء ممن أخذ علمه عن الصادقين والكاظم والرضا عليهم السلام؟!
عن علي بن أسباط قال: خرج عليّ أبو جعفر ع فجعلت أنظر إليه وإلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فلما جلس قال: يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة ، قال الله تعالى: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّا…..)..
٢- ان المقصود من (فسألوه في مجلس واحد) هو مجلس الإلقاء والإفادة من غير نظر إلى الأيام، يعني أنه كان مجلساً عامراً في مكان معين واستمر لأيام من غير انقطاع..
أو أن يكون معنى (ثلاثين الف مسألة) هو ما ذكره من القواعد التي يفرع عنها في الاستنباط، كما في ورد عن النبي ص (لا ضرر ولا ضرار) فقد اشتهر أنه استنبط منها ١٠٠٠ حكم ..
٣- إن حركة الإمام في الأمة وإجاباته الحاسمة شكلا حرجاً لمدعي الخلافة، ولبني العباس، وهذا ما أودى إلى أن يتطور العداء من محاصرة الإمام إلى قتله !.. وبتعبير ابن ابي داود يعرّف الامام بأنه (رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته، ويدعون أنه أولى بالخلافة)..
وفي الرواية عن ابن ابي داود القاضي في السارق الذي سرق، فجمع المعتصم لذلك الفقهاء في مجلس، وقد أحضر محمد بن علي (الجواد ع)، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع… وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق.. فالتفت (المعتصم) إلى محمد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال ع بعد ان اقسموا عليه:….
فالقطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف، قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله: السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى: ” وأن المساجد لله ” يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ” فلا تدعوا مع الله أحدا ” وما كان لله لم يقطع. قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.
قال ابن أبي دواد: قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حياً… فصرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت: إن نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار !….
قال: وما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته، ويدعون أنه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟!
قال: فتغير لونه وانتبه لما نبهته له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا قال فأمر اليوم الرابع ….. ) وكانت حادثة اغتياله عليه السلام في اليوم الرابع للحادثة مباشرة…..
٤– اشترك العديد في اغتياله (ع)، منهم المعتصم، وابن أخيه جعفر بن المأمون، وآخرهم زوجة الإمام أم الفضل بنت المأمون… والتي لم يعاشرها الإمام إلا بضغط الدولة العباسية وحتى لا يعلم أن الإمام (ع) اتخذها زوجة فعلاً أم لا…
وجعلوا سماً للإمام (ع) في شيء من عنب، فلما أكل منه جعلت أم الفضل تبكي، فقال لها ما بكاؤك؟ والله ليضربنك الله بفقر لا ينجى وبلاء لا ينستر. فبليت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها وهو فرجها، فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلة حتى احتاجت إلى رفد الناس، فلم ينفع إلى أن ماتت .. وتردى جعفر بن المأمون وهو سكران في بئر فأخرج ميتاً!..
وبقي الإمام (ع) يجود بعلته يوماً وليلة، يكابد السم بين القياء والقيام وألم البطن حتى قضى صلوات الله عليه …
الشيخ ثامر الساعدي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية