” قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ” (الأحقاف: الآية 9).
وآيات وروايات أخرى كثيرة تشير بوضوح على إن الكثير مما جرى على يد النبي (صلى الله عليه وآله) سبق وتكرر على يد أنبياء سابقين في أممهم، أولاً لأن النفس البشرية واحدة-لتتبعن سنن من كان قبلكم- وإن تطورت وتقدمت وثانياً لأن المرسِل واحد وهو الله سبحانه وتعالى ودينه واحد، وإن تعددت الشرائع واختصت بعض الأمم بخصوصيات.
فهل واقعة الغدير -أي غدير خم- بالصورة التي نقلتها مصادر السنة والشيعة على السواء وكان الفرق فقط في التعامل معها، هل هي بالصورة التي فهمت منها حادثة نادرة وغريبة وجديدة في سلوك الأنبياء مع أممهم أم لها سوابق مماثلة؟
هذا ما سنحاول البحث عن إجابته في هذه السلسلة التي سنحاول جعلها مختصرة وسريعة لتتزامن مع المناسبة وتكون منفعتها أكبر.
قبل البدء بالإجابة لنتعرف على الصورة الإجمالية بواقعة الغدير وخصوصياتها دون الخوض في أدلتها، لأن هناك مصادر كثيرة تكفلت بذلك ودون الخوض في النقاش بشأنه، لأن ذلك مما تناولته كتب كثيرة أيضاً.
واقعة الغدير بتصورها الشيعي هي:
قيام النبي (صلى الله عليه وآله) بتجميع نسبة كبيرة من المسلمين لتبليغهم بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده بعد حجة الوداع وفي خطبة تبين ذلك.
ونصها ونذكر هناك رواية زيد بن أرقم التي نقلها الأميني نقلاً عن مصادر عديدة:
“نعم كنا بالجحفة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي بن أبي طالب فقال: أيها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: بلى، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، قالها أربع مرات. قال محمد بن إسماعيل اليمني في ” الروضة الندية شرح التحفة العلوية ” بعد ذكر حديث الغدير بشتى طرقه: وذكر الخطبة بطولها الفقيه العلامة الحميد المحلي في ” محاسن الأزهار ” بسنده إلى زيد بن أرقم، قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة فأمر بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك ثم نادى الصلاة جامعة فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر وإن منا من يضع بعض ردائه على رأسه وبعضه على قدمه من شدة الرمضاء حتى أتينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا الظهر ثم انصرف إلينا، فقال: الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل ولا مضل لمن هدى وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله – أما بعد -: أيها الناس؟ فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا النصف من عمر الذي قبله وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة وإني شرعت في العشرين ألا وإني يوشك أن أفارقكم، ألا وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فهل بلغتكم؟ فماذا أنتم قائلون؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنك عبد الله ورسوله قد بلغت رسالته، وجاهدت في سبيله، وصدعت بأمره، وعبدته حتى أتاك اليقين، جزاك الله خير ما جزى نبيا عن أمته، فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وتؤمنون بالكتاب كله؟ قالوا: بلى، قال: فإني أشهد أن قد صدقتكم وصدقتموني، ألا وإني فرطكم وأنتم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم حين تلقوني عن الثقلين كيف خلفتموني فيهما، قال: فاعتل علينا ما ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين، فقال: بأبي وأمي أنت يا رسول الله ما الثقلان؟ قال الأكبر منهما كتاب الله سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم تمسكوا به ولا تولوا ولا تضلوا، والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فلا تقتلوهم ولا (تنهروهم)؟ ولا تقصروا عنهم، فإني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني، وناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي ولي، وعدوهما لي عدو، ألا فإنها لن تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها، وتظاهر على نبوتها، وتقتل من قام بالقسط، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ورفعها، فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قالها ثلاثا”. (الغدير للشيخ الأميني ج1 ص36).
فهل فعل الأنبياء (عليهم السلام) أو بعضهم مثل ذلك في التوصية لمن بعدهم أم إن هذا الفعل من النبي (صلى الله عليه وآله) هو فعل جديد لم يفعله نبي قبله ولم يألفه الناس؟
سنتتبع ذلك وفقاً للمتوفر من المصادر ومما ورد في التوراة والأناجيل وبعض المصادر والله المستعان.
رشيد السراي
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية