لن أعود إلى الوراء
(الزائر التائب)
إن تراكمات الذنوب، وحُجُب الثقافات الشيطانية الثقيلة، قد تصل بقلب الإنسان إلى مرحلة يصعب فيها عليه أن يتجاوز كل تلك الحجب لكي يصل إلى الهدى، فعينه لا تبصر، وأذنه لا تسمع، وقلبه لا يفقه، وحياته من نكد إلى أنكد.
وهنا نطرح سؤالاً:
ألا يمكن لهذا الإنسان في لحظة من لحظات اليقظة أن يستفيق من غفلته، ويرجع إلى رشده، ويتوب إلى الله تعالى، ويستثمر فرص العودة المتاحة إليه، والتي يعدها الله تعالى لعباده رحمة بهم، وشفقة عليهم، ومحبة لعودتهم إلى فطرتهم؟
الجواب: هذا أكيد _ والحال هذه _ إن الإنسان يمكنه ذلك، حيث يتحول من الهجران إلى الوصل، ومن البعد إلى القرب، ومن الغفلة إلى اليقظة، ومن التقصير إلى الاستقامة، فتتغير كل حياته من الحالة السلبية إلى الحالة الإيجابية، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) طه: ١٢٤.
أي من الضنك المادي والروحي والنفسي والاجتماعي والسياسي والأمني إلى الحالة الإيجابية، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق : ٢.
قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) الأعراف ٩٦.
وهذا باب مشرع وسبيل مفتوح لإصلاح الإنسان، فهو إن صلُح، فأن ذلك يعني أنه صلحت نفسه، فتصلح معيشته وحياته، ويصلح مجتمعه، وتصلح آخرته.
فشهر رمضان المبارك على سبيل المثال، وليلة القدر، ويوم عرفة، محطات هامة للتغيير والإنابة والتوبة والدعاء والضراعة إلى الله تعالى، فيها يحدث الرب الكريم _ إذا أوجد العبد المقتضي _ هزة داخلية في أعماقه، لما خص الله فيها هذه الأزمنة المقدسة بخصوصية الإجابة، وجعلها منازل للرحمة، ومتنفسات للمغفرة.
لذلك نقرأ في أدعية ليلة القدر هذا الدعاء:
(اللهم ان كنتُ عندك من الاشقياء فأمحني من الاشقياء واكتبني في السعداء)، هذا هو التحول والتغيير.
وكذلك من المحطات التي جعلها الله تعالى نوافذ لرحمته، ونصت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) على أنها من الفرص العظيمة للتوبة والإنابة والتغيير؛ زيارة الامام الحسين (ع).
فمن الكرامات التي أعطيت لسيد الشهداء (ع) في عالم الدنيا أن جعل الله جل شأنه زيارته بمثابة المطهّر العظيم في كل عام لزواره, فيخرجون بعد زيارتهم، بلطفه ومنه وتفضله، مطهرين من السيئات، معززين بالحسنات، مغمورين بالأجر والثواب والرحمة وغيرها من آثار وبركات الزيارة.
إذن فلنتحرك بوعي وفطنة ونحو نتوجه إلى زيارة المولى أبي عبدالله الحسين (ع)، ولنكن حذرين في تعاملنا مع هذه الفرصة الاستثنائية، والتي نحن بأمس الحاجة لها اليوم، كي نجعلها ممراً نسلكه نحو الفرج القريب، لأنها _ أي الزيارة _ مقدمة مهمة من مقدمات تغيير النفوس والقلوب والطباع والأخلاق نحو مرضاة الله تعالى، وبالتالي توفير الأرضية المناسبة لرفع البلاء.
فنحن نخرج من بيوتنا، ونترك كل مساراتنا اليومية، ولا مقصد لنا الا الإمام الحسين (ع)، وعندها لابد أن نكون مستعدين لامتثال ما يريده (عليه السلام) منا، ومنه:
١. أن نتحرك بتوبة نصوح
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم: ٨
٢. أن تكون عندنا رغبة صادقة نحو التغيير
قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد: ١١
٣. أن نعزم على ترك كل أهوائنا، وأمزجتنا، وتشتت أفكارنا، لنتجه نحو هوى الإسلام، ومذاق الشريعة، ومزاج العترة الطاهرة، وبذلك فزنا وسعدنا وكتبنا في عداد زوار الإمام الحسين (ع).
روي عن الإمام الصادق (ع):
(.. من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي ع إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين..) كامل الزيارات، ص: ٢٥٣
وروي عنه عليه السلام:
(من زار قبر الحسين ع لله وفي الله أعتقه الله من النار، وآمنه يوم الفزع الأكبر، ولم يسأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا أعطاه) كامل الزيارات، ص : ١٤٥
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الأشرف
٩ صفر ١٤٤٥ هج
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية