١٢ _ ١٧ ربيع ١
____
إضاءات وعي
___
أولاً: القيادة الرشيدة
تصنع قادة لا عبيد
من إبداعات القيادة النبوية للنبي صلى الله عليه وآله ومن كواشف مصداقيتها، ومن علامات استراتيجية عملها المدروس الذي يحمل الرؤية المرشدة في ادارة مؤسسات المشروع الإسلامي؛ تجرده من الفوضوية وابتعاده عن انعدام الرؤية للمستقبل، وخلوه من التنظير عالي المضامين غير الملموس في الواقع، والتزامه بالتنظير واقعي التطبيق؛ لذلك نلحظ في برامجه صلى الله عليه وآله العملية؛ برنامجاً لصناعة القادة المخلصين الثابتين لرعاية المشروع الإسلامي، وتمثيله والتضحية من أجله.
وقد لمس القادة قولاً وفعلاً من قائدهم صلى الله عليه وآله الرعاية والتكريم وتقدير الجهود، فالقيادة الرشيدة الناجحة لم تتاجر بجهود عمالها لأجل بناء ذاتها، وتقوية وجودها، ولم تتنكر لعطائهم اللامتناهي الذي رافق مسيرتها منذ انطلاق المشروع في مراحله الأولى، ولم تفرط في أي أحد منهم، فصنعت بذلك منهم قادة، ولم تتخذ منهم عبيداً وخدمة.
فكان علي بن أبي طالب (ع) سيد القادة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله معصوماً مقداماً مثل الإسلام بكل وجوداته المقدسة حتى استشهد في محراب جامع الكوفة، وكان عمار بن ياسر قائداً ثابتاً في خط الأمان حتى سقط شهيداً في صفين، وكان أبو ذر الغفاري قائداً رسالياً شجاعاً في ساحة التبليغ حتى توفي في أرض الغربة، وكان سلمان المحمدي منهم أهل البيت وهكذا.
وهذا من علامات نجاح أي مشروع عنوانه الإسلام وشعاره أهل البيت عليهم السلام.
عن رسول الله صلى الله عليه: (علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) (١)
وعن الإمام علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الجنة تشتاق إليك وإلى عمار وإلى سلمان وأبي ذر والمقداد) ( ٢ ) ، وقال عن سلمان أيضاً: (سلمان منا أهل البيت) (٣)، وقال عن عمار: ((ملئ عمار إيمانًا حتَّى أخمص قدميه) ( ٤ )
وعنه صلى الله عليه وآله: (ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر ..) ( ٥ )
____
ثانياً: مقام القضاء
قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ( ٦ )
الآية الكريمة تبين ثلاث مفردات هي من عناصر اكتمال الإيمان:
أ . الرجوع الى الرسول صلى الله عليه وآله في أمر المنازعات، وتحكيمه في المخاصمات، وهذا يثبت مقام القضاء له عليه وآله الصلاة والسلام.
ب . قبول ما يصدر من الرسول صلى الله عليه وآله من احكام في حل المنازعات برحابة صدر وانشراح نفس، دون أن يكون هناك أي حزازة وتثاقل.
ج . التسليم المطلق _ بلا تردد أو نقاش أو تشكيك _ لرسول الله صلى الله عليه وآله فيما يقضي ويقرر.
وهنا دعوة للمؤمنين على مر الأجيال …
أن يراجعوا (المصدر الصحيح والأمين في بيان وتوضيح وإيصال الأحكام الشرعية) في منازعاتهم وخصوماتهم في مختلف قضاياهم الحياتية؛ إلا وهو النبي صلى الله عليه واله، ومن بعده وصيه عليه السلام وهو الإمام المعصوم، وفي غيبة الامام عليه السلام؛ يراجع نوابه وهم الفقهاء العدول في كل صغيرة وكبيرة يحتاج فيها المكلف الى بيان حكم الله تعالى .
وفي نفس التوجيه يكون الكلام في رحاب هذا المقام النبوي تربية للناس ألا يجدوا في أنفسهم (ضيقاً وتأففاً وحرجاً) من أحكام الله تعالى، وأن يعودوا أنفسهم ويروضوها على قبول أحكام الشرع، وهي _ بلا شك ولا ريب _ قننت من أجل سعادتهم، وتصب في تحقيق مصالحهم الدنيوية والاخروية.
وإذا توسعنا في الكلام نقول :
إن على المهتمين بالشأن الإسلامي تثقيف المجتمع من خلال خطاباتهم الدينية الموجهة والممنهجة بضرورة وجود المحاكم الشرعية، وبضرورة فاعليتها في الحياة العملية لابناء المجتمع؛ كي يترافع اليها الناس ليحرزوا حل خصوماتهم وفق مقاييس الشرع المقدس، وانتزاع حقوقهم وفق ما رسمته الشريعة ومايبرأ ذمتهم امام الله تعالى .
السلام عليك يا أبا القاسم
ورحمة الله وبركاته
______
الهوامش:
١.موسوعة الإمام علي، الريشهري، ج ٢، ص ٢٣٧
٢. الخصال ، الصدوق ، ص ٣٠٣
٣ . عيون أخبار الرضا ، الصدوق ، ج ٣ ، ص ٧٠ .
٤. بحار الأنوار ، المجلسي ، ج ٣١ ، ص ٢٠١ .
٥. الاختصاص، المفيد ، ص ١٣ .
٦ . النساء : ٦٥
____
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الأشرف
١٤ ربيع ١ _ ١٤٤٥ هج
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية