تعدد الأزمنة للموضوع الواحد هو أمر متكرر في أكثر مورد من موارد المستحبات والأدبيات الإسلامية ومناسبات أهل البيت (عليهم السلام)، ولعل المتتبع يلحظ حكمة واضحة مباشرة هنا أو هناك من هذا التعدد، أو قد يلحظها في بعض الاحتمالات التي ترد في بيان فلسفة التعدد وفوائده.
فمثلاً في تعدد ليلة القدر، فلعل هذه الليلة المباركة أخفيت بين أكثر من ليلة من ليالي شهر رمضان كي يجتهد المؤمنون والمؤمنات في الدعاء والتضرع والمناجاة والانقطاع إلى الله تعالى في ثلاث ليال من الشهر الفضيل، وهذه الحكمة قد تجري في إخفاء ساعة الإجابة في يوم الجمعة؛ كي يجتهد الناس في الدعاء والتضرع لنيل الأجر في أغلب ساعات اليوم المبارك.
ويحتمل أن يجري نفس الموضوع والله العالم في التردد بين أكثر من رواية في شهادة السيدة الزهراء (عليها السلام)؛ وذلك كي تجتهد الأمة في أكثر من وقفة في السنة لإحياء معالم شخصية السيدة فاطمة الزهراء (ع)، وبيان مسيرة حياتها وجهادها ورفع ظلامتها التي تحملتها من أجل استقامة مسيرة الإسلام وحفظ الإمامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وإلى يوم القيامة.
إشارات ونكات
_____
أولاً: إن الروايات الواردة في يوم شهادة بضعة النبوة ع مختلفة باختلاف مصادر التاريخ، ويمكن مراجعتها للوقوف على ما ذكره المؤرخون في ذلك، لكن المشهور منها ثلاث روايات:
أ _ الرواية الأولى: ٨ ربيع ٢.
ب _ الرواية الثانية: ١٣ جمادى الأولى.
ج _ الرواية الثالثة: ٣ جمادى الآخرة
ثانياً: إن الإحياء الواعي لذكرى شهادة سيدة نساء العالمين (ع) في ثلاث روايات في السنة يحمل في طياته دلالات كثيرة، وفوائد جمة، منها:
أ _ ترسيخ وإدامة حالة التأسي والاقتداء في مختلف جوانب الحياة من خلال طرح القدوة الأنموذجية في المجتمع، وتتأكد هذه الحاجة مع تزايد تأثير القوى الناعمة السلبية في تشويه صورة وأهمية القدوات الصالحة وإسقاطها من جهة، وتزايد صناعة القدوات الهابطة وتزيينها وتقديمها للناس من جهة أخرى، فإدامة الإحياء للشعائر الفاطمية إدامة لتقديم الأنموذج الأكمل للاقتداء في العبادة والجهاد والعلم والاجتماع والأسرة والأخلاق والثقافة والسياسة.
ب _ إدامة الحراك العلمي في الكتابة والتأليف والتحليل في التاريخ الإسلامي المشرق للحجج المطهرين (ع)، خصوصاً أن هناك جوانب ومحطات كثيرة في حياة الصديقة الكبرى (ع) إلى الآن لم تبحث.
ج _ التسويق الثقافي للمفاهيم الصحيحة حول المرأة وحقوقها وحريتها في النظرية الإسلامية إلى العالم، من خلال تقديم شخصية الزهراء (ع) للمجتمع الإسلامي أولاً، وإلى المجتمع الإنساني ثانياً، وهذا له دور فاعل في تصحيح التصورات الخاطئة التي ترسخت في الأذهان، والتي خلفها الفهم الساذج، بل والمتعمد أحياناً للنصوص الإسلامية حول المرأة.
ثالثاً: الإحياء العلمي الفكري الهادف والواعي لذكرى السيدة الزكية (ع) في ثلاث وقفات في السنة، هو إعلام موجه للإسلام الحضاري الذي يبني الإنسان، ويدافع عن حقوقه، ويقنن الأحكام لسعادته واحترامه وتكريمه، وهو قائم _ أي هذا الإعلام بإسم الزهراء (ع) _ على أسس القرآن الكريم والسنة الشريفة امام ما يوجه من إعلام تتبناه إيدلوجيات ممولة تروج لإسلام الامتهان للإنسان وحلية دمه وعرضه وإن كان مسلماً لكنه مختلف بالرأي، وأمام الامتهان لكرامة الإنسان وحقوقه من خارج الدائرة الإسلامية.
رابعاً: الإحياء الدائم لسيرة وعطاء سيدة البيت النبوي (سلام الله عليها) هو إحياء لقيم العفاف والصون التي مثلتها أم أبيها (ع) في عفتها وصونها وجلالها في كل فعالياتها الحياتية، ونحن بأمس الحاجة اليوم إلى هذا الإحياء القيمي مع هذا الانهيار الممنهج لقيم العفاف والصون في سوق الشهوات والغرائز والأهواء بدعاوى الحرية والانفتاح على الثقافة المستوردة والأفكار الوافدة من الغرب.
خامساً: إن إحياء الشعائر الفاطمية بمختلف فعالياتها هو ابتهال الى الله تعالى بوسيلة السيدة المرضية عليها السلام، واستنزال للرحمة الإلهية التي تحتاجها الأمة اليوم وهي في أحرج فترات البلاء المستحكم ببركة ذكر ابنة النبوة وبقية الصفوة وإعلاء كلمتها والدفاع عنها.
السلام عليك يا فاطمة الزهراء
يا وجيهة عند الله
اشفعي لنا عند الله
_____
أقل خدامك
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الأشرف
٦ ربيع ٢ _ ١٤٤٥ هج
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية