بقلم: نجاة الكناني
الصلاةُ لغةً هي الدعاءُ والتبريكُ والتمجيد، والصلاةُ على النبيّ (صلى الله عليه وآله) لها عِدّةُ معانٍ كما وردَ في كُتُبِ التفسير منها «إرسال الرحمة» كلّما نُسِبتْ إلى الله (سبحانه)، و«طلب الرحمة» كلّما نُسِبتْ إلى الملائكة، قال (تعالى): “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”.
(إنَّ أصلَ الصلاةِ الانعطافُ، فصلاتُه (تعالى) انعطافُه عليه بالرحمةِ انعطافًا مُطلقًا، لم يُقيّدْ في الآيةِ بشيءٍ دونَ شيء، وكذلك صلاةُ الملائكةِ عليه انعطافٌ عليه بالتزكيةِ والاستغفار، وهي من المؤمنين الدُعاءُ بالرحمة)(1)
إذا كانَ معنى الصلاةِ على النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك، فما معنى الصلاةِ على الزهراء (عليها السلام)؟
وهل هنالك أمرٌ بالصلاةِ عليها، أم أنَّ صلاتَنا على النبي (صلى الله عليه وآله) تشملُها وأولادَها المعصومين (عليهم السلام)؟
ولا بُدّ أنْ نعرفَ منْ هي الزهراء (عليها السلام) ولو بصورةٍ إجمالية، وبقدرِ ما تستطيعُ عقولُنا القاصرةُ عن معرفةِ بيانه؛ فلمعرفةِ الزهراءِ (عليها السلام) بحقيقتها الجسمانية لا بُدّ من التطرُّقِ إلى ليلةِ الإسراءِ والمعراج في القصةِ المشهورة {… أنَّ النبيَّ الخاتمَ (صلى الله عليه وآله) دخلَ ليلةَ المعراج إلى الجنةِ وأكلَ من ثمارها، خصوصًا من ثمارِ شجرةِ طوبى، ورطبِ جنّةِ المأوى وتفاحِها، ثم عادَ إلى الأرضِ وواقعَ خديجةَ (سلام الله عليها)، فانعقدتِ النطفةُ الطاهرةُ لفاطمة الزهراء (عليها السلام)(2)
أمّا لمعرفةِ حقيقتِها الملكوتية فلنعرِّجْ إلى حديثٍ عن النبّي (صلى الله عليه وآله) الذي قال فيه: “إنّ اللهَ خلقني، وخلقَ عليًّا، وفاطمة، والحسن، والحسين قبلَ أنْ يخلقَ آدمَ (عليه السلام)، حينَ لا سماءَ مبنّية، ولا أرضَ مدحيّة، ولا ظلمةَ ولا نور، ولا شمسَ ولا قمر، ولا جنّةَ ولا نار”(3)
وأمّا حقيقتُها النورانيةُ كما ذكرها النبيُّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال: لمّا خلقَ اللهُ الجنّةَ خلقَها من نورِ وجهه، ثمّ أخذَ ذلك النورَ فقذفَه فأصابني ثلثُ النور، وأصابَ فاطمةَ ثلثُ النور، وأصابَ عليًّا وأهلَ بيتِه ثلثُ النور. فمن أصابه من ذلك النورِ اهتدى إلى ولايةِ آلِ مُحمّدٍ (صلى الله عليه وآله)، ومن لم يُصِبْه من ذلك النورُ ضلَّ عن ولايةِ آلِ مُحمّدٍ (صلى الله عليه وآله)(4)
وبعدَ أنْ تطرّقنا إلى هذا النزرِ اليسيرِ من حقيقةِ السيدةِ الطاهرةِ الحوراءِ الإنسيةِ نقولُ في الإجابةِ عمّا أشرنا إليه:
إنّ الصلاةَ على النبيّ الأكرم في قولنا {اللهمّ صلِّ على مُحمدٍ وآلِ محمد} حتمًا تشملُ الزهراءَ وبعلها وبنيها؛ لأنّهم هم الآلُ وهم أهلُ البيتِ الذين طهّرهم الباري (تعالى) من الرجسِ، وعرّفَ الأمّةَ بحقِّهم من خِلالِ كتابه المبارك فقالَ (تعالى): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(5)
وردَ في ثوابِ الأعمال عن عمار قال: كُنتُ عندَ أبي عبدِ الله (عليه السلام) فقال رجل: اللهُمّ صلِّ على محمدٍ وأهلِ بيتِ محمدٍ فقال أبو عبدِ الله (عليه السلام): يا هذا لقد ضيّقتَ علينا أما علمت أنَّ أهلَ البيتِ خمسةُ أصحابِ الكساء؟ فقال الرجل: كيفَ أقول؟ قال: قُلْ: اللهُمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمد، فنكون نحنُ وشيعتُنا قد دخلنا فيه(6)
(وأمّا الأمرُ بالصلاةِ المخصوصةِ عليها فقد وردتْ صلاةٌ في كتابِ بحارِ الأنوارِ عن الإمامِ الحسن بن علي (عليه السلام) وقد سُئلَ عن كيفيةِ الصلاةِ عليهم فقال للسائل: اكتب: اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلَى الصِّدّيقَةِ فاطِمَةَ الزَّكِيَّةِ حَبيبَةِ حَبيبِكَ وَنَبِيِّكَ، وَأمِّ أحِبّائِكَ وَأصْفِيائِكَ، الَّتِي انْتَجَبْتَها وَفَضَّلْتَها وَاخْتَرْتَها عَلى نِساءِ الْعالَمينَ، اَللّـهُمَّ كُنِ الطّالِبَ لَها مِمَّنْ ظَلَمَها وَاسْتَخَفَّ بِحَقِّها، وَكُنِ الثّائِرَ اَللّـهُمَّ بِدَمِ أوْلادِها، اَللّـهُمَّ وَكَما جَعَلْتَها أمَّ أئِمَّةِ الْهُدى، وَحَليلَةَ صاحِبِ اللِّواءِ، وَالْكَريمَةَ عِنْدَ الْمَلاَءِ الأعْلى، فَصَلِّ عَلَيْها وَعَلى أمِّها صَلاةً تُكْرِمُ بِها وَجْهَ أبيها مُحَمَّد (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَتُقِرُّ بِها أعْيُنَ ذُرِّيَّتِها، وَأبْلِغْهُمْ عَنّي في هذِهِ السّاعَةِ أفْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ}(٨)
ولكن وبعدَ بيانِ هذه المكانةِ السامية لها هل تعودُ فائدةُ الصلاةِ على المصلّي عليها وتُزيدُه علوًّا ومرتبة؟
إنَّ الصلاةَ على النبي وآله تعودُ فائدتُها على العبدِ نفسِه من عدّةِ جهات:
1- مُضاعفةُ الصلواتِ على العبد، كما وردَ في الخبر عن إسحاق بن فروخ مولى آل طلحة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا إسحاق بن فروخ من صلّى على محمدٍ وآلِ محمدٍ عشرًا صلّى اللهُ عليه وملائكته مائة مرة، ومن صلّى على محمدٍ وآل محمدٍ مائة [مرة] صلّى اللهُ عليه وملائكته ألفًا(8)
2- صلوات الله وملائكته على العبدِ، وإخراجه من ظلماتِ الشيطانيةِ والجهلِ إلى نورِ الرحمانية والعلم، قال (تعالى): “هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا”(9)
3-غفران الذنوبِ والمقام في درجةِ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كما وردَ عنها (عليها السلام) قالت: قالَ لي رسولُ الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة من صلّى عليكِ غفرَ اللهُ له وألحقَه بي حيثُ كُنتُ من الجنة.(10)
4- إنّها تُذهِبُ بالنفاق، رويَ عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ فإنّها تذهب بالنفاق”(11)
وأمّا الصلاةُ على الزهراءِ (عليها السلام) فلها شروطٌ كما أنّ للصلاةِ الواجبةِ شروطًا لتُقبَلَ منّا وهي:
١-المحبة لها ولذريتها (عليهم السلام).
١-التبرّي ممن عاداها وغصب حقها.
٢- بيان مظلوميتها بقدر ما يستطيعُ المؤمنُ وبحسب مكانته في المُجتمعِ.
٣- الاقتداء بسيرتها ونهجها وأخلاقها في حياتنا الأسرية والاجتماعية.
٤- الدعاء لولدها الحجة القائم المهدي (عجل الله فرجه) والتمهيد لدولته؛ لأنّه هو الآخذُ بحقِّها وحقِّ أولادِها المظلومين.
فإنْ قُبِلتْ صلاتُنا عليها عادتْ علينا بالطهارة؛ فقد وردَ في زيارةِ يومِ الأحدِ المخصوصة باسمها: “فاشهدي أنّي طاهرٌ بولايتك”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الميزان، الطباطبائي محمد حسين، ج١٦،ص ٣٣
(2) الخصائص الفاطمية، الكجوري محمد باقر ،ج١،ص ٣٥٩
(3) بحار الأنوار الجامعة ،المجلسي محمد باقر،ج ٤٣،ص ٦.
(4) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج٣،ص١٠٦.
(5) سورة الأحزاب:٣٣
(6) بحار الأنوار، المجلسي محمد باقر ،ج٩١،ص ٥٩
(7) المصدر السابق ،ص ٧٤
(8) كتاب الكافي ،الكليني محمد بن يعقوب ،ج٢،ص٤٩٣
(9) سورة الأحزاب: ٤٣
(10) بحار الأنوار، المجلسي محمد باقر ،ج٤٣، ص٥٥
(11) وسائل الشيعة الحر العاملي ،ج٧ ،ص١٩٣ .
يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية