-الحلقة الثامنة-
في عهد الطاغية ونظامه البعثي الإجرامي، كان صوت المرجعية الرسالية وخطاباتها المعمقة لوعي الأمة وتنمية فكرها الحركي، دائم الإنتاج ومستمر بتناول القضايا العامة بمجالات الحياة المتنوعة عقائدياً وفقهياً وأخلاقياً واجتماعياً…
تستثمر المرجعية كل مناسبة لبثّ المفاهيم الإسلامية النقية وبيان مكوناتها بشكل تفصيلي سهل البيان، ونتناول في هذا المنشور أحد الخطابات المهمة في تلك المرحلة العصيبة:
1. بمناسبة يوم الغدير الأغر سنة (٢٠٠١ ) ألقى سماحته بحثاً عميقاً بيّن فيه كيفية تخطيط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للخلافة من بعده، وإيضاح جسامة الخسارة التي لحقت بالأمة جراء تولّي أمرها من لا يستحق الولاية …
والتطرق لهذا الموضوع فيه من الدلالة الواضحة على قوة القلب والشجاعة والمبدئية التي لاتضعف ولاتتردد وإن كان الحاكم جائراً مستبداً دموياً، لأن أهمية الموضوع ومحوريته في الإسلام لا يتحمّل الإغماض عنه وترك ذكراه تمر دون شحن القلوب والأفكار بمضامينه وشحذ العواطف للانشداد إليه وبثّ الحماسة في النفوس، للتمسك باستحقاقات ولوازمه الشرعية.
2. دافع سماحته ببيان اعتمد الدليل العقلي الواضح والإثارة الفطرية المنتجة لليقين بضرورة قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنصب خليفة له، يتولى دور القيّم والصائن لرسالة الإسلام وأحكامها وديمومة حضورها في حياة المجتمع.
3. وأشار الخطاب إلى أشكال متعددة من تخطيط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الأمر المهم، الأول النص المباشر والواضح على أمير المؤمنين عليه السلام، الثاني الإشادة بالأشخاص المخلصين الواعين المعلوم ثباتهم على الخط ووعيهم للهدف ورسوخهم في المبدأ … كسلمان والمقداد وأبوذر وعمار ودي الشهادتين وبلال الحبشي وأم أيمن وأم سلمة .. فكانت الشهادات الصادرة من الرسول (ص) بحق هؤلاء المخلصين ليكونوا أعمدة نور تضيء لطلاب الحقيقة الدرب، وتدلهم على شاطيء الإيمان … والثالث وضع ضوابط يُعرف بها المستحقون لولاية أمر الأمة وتمييزهم عمّن هم ليسوا أهلاً له.
4. ولقد تضمنت الإشارة لهذه الضوابط نقداً وإدانة جريئة -يصعب صدورها في ظل نظام ديكتاتوري يضمر الحقد والعداوة لمنهج الإسلام الأصيل- لمن انقلب على وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتفضح خداعهم ومكرهم.
5. إن الخطاب الشريف لم يقصد فقط ترسيخ هذه العقيدة والدفاع عنها وإن كان مطلباً مهماً، بل أراد القول: إن العلماء وعلى رأسهم المرجعية الشريفة هم ورثة الأنبياء، ليس فقط في الحقوق والامتيازات، وإنما في الوظائف والمسؤوليات والواجبات، انطلاقاً من الأمر الإلهي بالتأسي برسول الله ص..
6. ومن تمام التأسي والوراثة إعداد البديل بغض النظر عن كونه واحداً أو أكثر وتربيته وتأهيله لهذا المنصب الإلهي الشريف، وبعد أن يطمأن إلى إكمال إعداد البديل علمياً وفكرياً وأخلاقياً وعقائدياً، يجب أن يشير إليه …
ونستطيع القول بحزم وثقة أن السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) عمل بهذا الشكل من التخطيط، وبالشكل الثاني حينما أشار في لقاء جامعة الصدر الدينية بحضور مجموعة من الفضلاء المخلصين … وأما الشكل الثالث وهي الضوابط فمنها شروط ثابتة وهي الاجتهاد والعدالة وغيرها مما هو مذكور في الرسائل العملية، وشروط أخرى متحركة بحسب الظروف الموضوعية التي تعيشها المرجعية الشريفة ..
ومما أكّد عليه السيد الشهيد من الشروط في المرجعية الرسالية الوارثة الاتصاف بقوة القلب وطيبة القلب، وحفلت سيرة المرجع الشيخ اليعقوبي منذ شهادة السيد الشهيد وإلى يومنا هذا بالمواقف والشواهد كماً ونوعاً على رسوخ هاتين الصفتين النبيلتين في سماحته – دام ظله الشريف-
7. ومن يراجع الخطابين الشريفين المشار إليهما في بداية المقال يجد الصلابة العقائدية، وتركيز تربوي مكثف للأمة على مبدأ التولي لأولياء الله المعصومين (عليهم السلام) والتبري من أعدائهم وظالميهم. في ظل ظروف سياسية واجتماعية ضاغطة على الحوزة وعلمائها الرساليين، ومثل هذه المواقف المبدئية لا نجد لها عيناً ولا أثراً في خطابات غير سماحة الشيخ اليعقوبي، حتى في ظروف ما بعد عام ٢٠٠٣، مع تبدل الظروف السياسية والاجتماعية وزوال النظام البعثي القمعي.
عبد الزهراء الناصري
يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية